غازي العريضي
بعد الإعلان عن الاتفاق بين إيران ومجموعة الـ 5 + 1، سارع الرئيس الأميركي إلى عقد مؤتمر صحافي مع بداية صباح ذلك اليوم ليشرح مضمون وأبعاد الاتفاق، ثم أعطى مقابلة للصحافي توماس فريدمان، وعقد لاحقاً مؤتمراً صحافياً ثانياً بعد اطلاعه على ردود الفعل العالمية على الاتفاق، وأجرى سلسلة من الاتصالات بقادة الدول المعنية بالاتفاق وتداعياته، شارحاً موقفه، مقدماً ضمانات حيث يجب، ومطمئناً البعض الآخر حيث ثمة قلق، ومؤكداً ثوابته في ما قام به ويخطط لاستكماله.
في ما يخص روسيا، بالرغم من الخلاف العميق معها بعد أحداث أوكرانيا، والضغوطات التي تمارسها الإدارة الأميركية وأوروبا عليها، والعقوبات المشدّدة التي استهدفتها، تعاملت روسيا وتتعامل بحزم معها وإصرار على مواجهتها دون أن تنكفئ عن تأكيد التزاماتها وتعاونها على المستوى الدولي. ففي الملف النووي الإيراني، لروسيا دور كبير في بناء وتطور مفاعلاته الإيرانية وفي معالجة الأزمة. وصوتها أساسي في مجلس الأمن، ولذلك كانت شريكة أساسية في الوصول إلى الاتفاق. على هذا الأساس شكرها الرئيس أوباما متحدثاً عن إمكانية حصول انفراجات معها بالرغم من مشكلة أوكرانيا. وقال: «ثمة إمكانية لحديث جدي مع بوتين بشأن مصير الأسد ومحاولة تخطي الأزمة السياسية بين واشنطن وموسكو بعد انتهاء الحرب الباردة»! إذاً، استكمال تعاون على الخط الإيراني واستعداد لإمكانية تعاون على الخط السوري. وروسيا على الخطين، ويأتي هذا الكلام بعد التهديدات الأميركية التي وجهت إلى روسيا والتي انطلقت من القناعة بأن هذه الدولة الكبرى تشكل خطراً وجودياً على أميركا!
الرئيس بوتين الذي يؤكد استعداده للعب كل أوراقه في مواجهة الأميركيين قال «كانت واشنطن تتذرع دائماً بالأخطار التي قد يشكلها برنامج إيران النووي ذي الصبغة العسكرية، وتتخذها مبرراً لنشر عناصر الدرع الصاروخية في أوروبا. لكن هذه المبررات لم تعد قائمة اليوم، ولذلك ينبغي أن تراجع واشنطن هذه الخطط». وذكـّر بوتين بما قاله أوباما في براغ سنة 2000: «إن أميركا ستتخذ خطوات عملية لتخليص العالم من السلاح النووي، وتنوي تخفيض دور هذا السلاح في إطار استراتيجية الأمن القومي الأميركي، وتدعو الآخرين إلى اتباع الخطوة ذاتها للتخلص من أفكار الحرب الباردة»، وأضاف: «لن تكون ثمة حاجة إلى المنطقة الثالثة للدرع النووية الصاروخية الأميركية في حال إعلان إيران رفضها إنشاء قدراتها النووية الصاروخية»!
بوتين رحـّب بالاتفاق سريعاً، ودعا إلى تنفيذه بأمانة، وإلى تشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب، وكان سبقه إلى هذه الدعوة وزير خارجيته «سيرجي لافروف»، الذي أضاف: «إن توقيع الاتفاق يسمح بتوسيع إمكانات التعاون العسكري التقني بين إيران وروسيا. وهذا أمر مهم وحيوي، وسيكون له تأثير إيجابي على الوضع العام في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج». وركّزت وسائل الإعلام الروسية على ما قاله الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن «بلاده تنوي التوسـّع في علاقاتها مع روسيا»، التي وصفها بـ «الشريك الاستراتيجي الأهم لإيران»!
إيران في موقع الجذب والاستقطاب بعد توقيع الاتفاق، ثمة مصالح مالية سياسية اقتصادية أمنية سيتسابق عليها الغرب والشرق. فور إعلان التوقيع أعلن عدد من وزراء خارجية أوروبا الاستعداد لزيارة طهران. وروسيا تتطلع إلى تعميق التعاون، وإيران بدورها، وفي مرحلة بناء الثقة والشراكة مع الأميركيين في مواجهة الإرهاب أي «داعش» وأخواته - في البيت السُني - وفي مجالات أخرى مفتوحة، ستتعامل بحذر، وكانت قد أعلنت استعدادها لتطوير علاقاتها مع دول أعضاء قمة «شنغهاي» و«بريكس»، وتوسيع خياراتها. ومعروف أن روسيا ساعدت إيران في النووي، وفي المحافل الدولية، وتتلاقى معها في أكثر من موضوع وقضية. واستفادت روسيا بدورها من ذلك. اليوم، روسيا في مشكلة مع أوروبا، تتحكم بـ«غازها» إلى حد ما، وساعدت إيران من خلال تركمانستان على إيصال الغاز إلى مناطقها الشمالية. عند رفع العقوبات عن إيران وترتيب شبكاتها الداخلية، ومد خط أنابيب من أراضيها إلى تركيا ومنها إلى أوروبا، مما يحرّر القارة من ضغط روسيا، ويعطي إيران موقفاً مهماً مؤثراً في العلاقات مع أوروبا. هذا واحد من الأمثلة التي يمكن اعطاؤها، لكن الأهم هو: كيف ستترجم الإدارة الأميركية كلام أوباما؟ وهل من جواب على سؤال وطرح بوتين المتعلق اليوم بعدم نشر الأسلحة الصاروخية ما دام الموضوع الإيراني- المبرر والذريعة - قد عولج، ولم يعد ثمة ضرورة كما قال أوباما نفسه؟
إمكانات التعاون من الأساس قائمة بين روسيا وأميركا، وهي ضرورية. من سوريا إلى إيران إلى غيرها. لكن الذهنية الأميركية والحسابات التي تحكم توجهات إدارة أوباما لم تقدم في هذا الاتجاه، ولا يزال ثمة توجه لإحراج موسكو وإخراجها من دوائر التأثير وفق الخارطة الجيوسياسية الاقتصادية، التي رسمتها وسيكون ذلك مكلفاً! هذه واحدة من القضايا التي ينبغي رصدها ومتابعتها بعد توقيع الاتفاق مع إيران المنتقلة من «محور الشر» إلى محور الجذب والاستقطاب!
التعليقات