علي بردى

يشغل اللبنانيون أنفسهم بقضايا عالمية كبرى. يحلّلون الآن مغازي اتفاق فيينا بين ايران و"مجموعة ٥ + ١" للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن: الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين الى ألمانيا. يتساءلون عما إذا كانت ثمة ملاحق سريّة لأبعاد أخرى، سياسية ومالية واقتصادية. غير أنهم يكتفون بالتذمّر ليس إلا من خُرَقاء الطبقة السياسية التي تغرق جمهوريتهم بالقمامة!

"بفضل" هذه الطبقة السياسية المصابة بـ"الكوليرا السياسية" والتي تباع وتشرى بأحزابها وجماعاتها وتنظيماتها وشخصياتها، تحوّلت الدولة خربة. لا ترى هذه الطبقة علاجاً في ما ينص عليه الدستور وما تقتضيه القوانين المرعية. يرضخ أكثرها لوصفات و"تمنيات" و"نصائح" وتعليمات وفتاوى تأتي من خارج الحدود. تتصدر الولاءات الخارجية كل مصلحة وطنية، بما فيها تلك المرتبطة بالمعيش اليومي للناس. بعض الدواء مغشوش. بعض الغذاء فاسد. قفوا على أبواب المستشفيات والعيادات. إذا طالت أزمة النفايات، هناك خطر جدّي لامكان عودة أمراض فتاكة الى لبنان، قد يكون أولها الكوليرا. ماذا تربحون من "جمهورية الكوليرا"؟

الذين يعدون أيام لبنان من دون رئيس للجمهورية كأنما يقولون للآخرين إن هذا "البلد المقاوم" يمكنه الإستمرار من دون رئيس. هذا تبجح مقيت. يقابلهم من قرر احصاء الأيام لإحقاق العدالة في قضية اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري. هذه غاية نبيلة. غير أن الدولة لا تقوم بلا مؤسسات. لا أمة تستقيم بتغييب سيادة القانون. صارت مشهودة الجنايات التي يرتكبها المجرمون.

الدواء بسيط. "طلع الشعر" على ألسنة المسؤولين الدوليين من كثرة ما ناشدوا الطبقة السياسية إعلاء المصالح الوطنية على المكاسب الفردية والفئويّة الضيقة. يحضونها على عدم التفريط بالإرث العريق للتجربة الديموقراطية في لبنان. عبث كل هذا الكلام. يعتبر بعضهم أن خلف هذا الكلام "نيّات مبيتة" أو "اصطياداً في الماء العكر". يفضل السياسيون اللبنانيون انتظار انعكاسات الإتفاق مع ايران على الأوضاع في لبنان وعلى أزمات ومشاكل بلدان أخرى في المنطقة... هذه علة من العلل في سنوات ما بعد انتهاء الحرب الأهلية. لم يطو بعضهم تلك الصفحة السوداء. بعضهم يدرك طريقه لتحرير القدس من الإحتلال الإسرائيلي الغاشم بيد أنه لا يعرف الوجهة الى انشاء مكب صحيح للقمامة، دعك من سبل فرزها وتدويرها حتى الإفادة من مكوناتها.

نِعْمَ المفارقات أن لبنان صمد حتى الآن، وعلى رغم إصابة طبقته السياسية بـ"كوليرا سياسية"، في تلافي انتقال أسوأ حروب المنطقة اليه. ذاكرة اللبنانيين حيّة من مقاتل أمراء الحرب. طبقتهم السياسية من تلك الحقبة السوداء.

لا يشفي الغطاء الدولي لبنان من طبقته السياسية. لو كان كذلك، لما تحوّل "جمهورية كوليرا". لأمكنه الإفادة إذذاك من انتهاء عصر المواجهة بين الولايات المتحدة وايران.