الجزائر: عودة الحديث عن الصراع بين المخابرات والرئاسة في انتظار خريف ساخن!

عاد الحديث مجددا عن الصراع بين قيادة جهاز المخابرات وبين رئاسة الجمهورية، وهو صراع يرى الكثير من المراقبين أن نتائجه ستكون حاسمة، وستحدد طبيعة المرحلة المقبلة، وترتيبات الحكم، في حين يرى فريق آخر أن الصراع غير موجود، وإنما الكلام الدائر في الساحة هو نتيجة قراءة مضخمة ومبالغ فيها لأحداث عادية، وأن العلاقة بين المخابرات والرئاسة أكثر من سمن على عسل على فول سوداني!
بداية الصراع كانت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، التي جرت في أبريل/نيسان 2014، فبعد عودة الرئيس من رحلة العلاج من النوبة المرضية، التي تبين أنها جلطة دماغية أجل الإعلان عنها، انطلق صراع محموم حول كرسي الرئاسة، فالرئيس العائد من المرض لم يشأ أن يخرج هو ومن معه من الباب الضيق، لأن الرجل كان دائما يحلم بأن يبقى فوق الكرسي إلى آخر أيامه، كما أن الأيام الأخيرة من الولاية الثالثة تميزت بالحديث عن فضائح بالجملة، تورط فيها رجاله وأقرب المقربين منه، وبمجرد عودته صدرت مجموعة من القرارات والإقالات والتحويلات والتغييرات داخل المؤسسة العسكرية، التي تعتبر العمود الفقري للنظام، وفي جهاز المخابرات، الذي يتعتبر الجهاز العصبي للنظام.
وبعد أخذ ورد وشد وجذب تقرر أن يترشح الرئيس لولاية رابعة، متجاهلا رأي قائد جهاز الاستخبارات، الفريق محمد مدين، المعروف باسم الجنرال توفيق، قائد الجهاز القوي، الذي يشغل هذا المنصب منذ سنة 1990، والذي نعت بشتى الأسماء من بينها صانع الرؤساء.
الأمور كانت حبيسة المكاتب والغرف المغلقة، ولم تكن هذه أول مرة في حياة هذا النظام، الذي تقع فيه خلافات أو يختلف فيها أصحاب القرار حول الخطوة التي سيتم اتخاذها، لكن عادة ما كان كل هذا يبقى حبيس المكاتب والغرف المغلقة، لكن الأمر هذه المرة خرج إلى العلن، مع تصريحات مفاجئة كانت قد صدرت عن عمار سعداني الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، والتي فتح من خلالها النار بشكل غير مسبوق ومفاجئ ضد قائد جهاز الاستخبارات، والذي ذكره بالاسم، متهما إياه باستهداف رجال الرئيس، وتلفيق تهم فساد لهم، ومعارضة الولاية الرابعة، كما اتهمه بالفشل في تسيير جهازه، ودعاه إلى الاستقالة، ما حدث كان زلزالا حقيقيا، كيف لا والثناء على الرجل والإشادة به سبق أن جر أشخاصا إلى السجن، فما بالك بانتقاده وذمه وإلصاق كل شيء سلبي وقع به، ودعوته إلى الاستقالة.
الجميع توقع أن تكون نتائج الزلزال الذي وقع مدويا، والصدام بدا حتمية لا يمكن الهروب منها، لكن طرفي النزاع، اتفقا أو اضطرا إلى التهدئة، وسارت الأمور بطريقة غير مستقرة نحو ولاية رابعة كانت عبارة عن مرور بالقوة، واستمرت التغييرات داخل المؤسسة العسكرية والأمنية، والقراءة التي تعطى لها في كل مرة هي إضعاف الفريق مدين، والدفع به نحو الاستقالة، لكن الأمور بدت بأنها وصلت إلى مستوى من الرتابة أو التسوية غير المرضية لكنها بدت الوحيدة الممكنة، واقتنع كثيرون أن الأمر سائر على هذا النحو إلى نهاية الولاية الرابعة، أو حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا!.
غير أن ما جرى ليلة عيد الفطر المبارك حرك المياه الراكدة، أو التي كانت تبدو على الأقل كذلك بالنسبة لعامة الناس، الغريب أنه رغم مرور عدة أسابيع لا أحد يعرف ما جرى بالضبط على مستوى الإقامة الرئاسية بزرادة، ضواحي العاصمة، البعض تحدث عن سيارة تحمل على متنها إرهابيين تمكنت من الوصول إلى محيط الإقامة الرئاسية، ثم تمكن من كانوا على متنها من الفرار، والبعض الآخر تحدث عن شجار وقع بين مسؤولين كبار وانتهى باطلاق رصاصات، وفريق آخر أشار إلى وقوع محاولة انقلاب، الأكيد في الأمر أن ما جرى كان سيمر مرور الكرام، لولا القرارات التي أعلنت أياما قليلة بعد العيد، إذ تمت تنحية قائد الأمن الرئاسي وقائد الحرس الجمهوري، وأتبعا بقائد الأمن الداخلي، وهي قرارات اتخذت في التوقيت نفسه، من دون الإعلان عنها بشكل رسمي، وفتحت الباب واسعا أمام التساؤلات والقراءات، فالبعض يرى فيها مواصلة لتقويض صلاحيات قائد جهاز الاستخبارات، الذي ينظر إليه على أنه المعارض لمشروع جماعة الرئيس القاضي بالاستمرار في الحكم إلى نهاية الولاية الرابعة وإلى ما بعدها من ولايات مفتوحة على مشروع تغيير طبيعة النظام.
القرار تم تسريبه مؤخرا، وذلك بخصوص حل فرقة التدخل الخاص التابعة لجهاز المخابرات، والذي تأسس في إطار عملية مكافحة الإرهاب خلال تسعينيات القرن الماضي، فجريدة «الوطن» ( الصادرة بالفرنسية) اعتبرت أن الفرقة حلت وأفرادها تم إلحاقهم بمختلف الوحدات التابعة للجيش، مؤكدة على أن حرب الخنادق بين الرئاسة والمخابرات مستمرة وتتسارع، متسائلة عن المدة التي ستستغرقها هذه الحرب، والنتائج الوخيمة التي سترتب عنها.
&