عبد الوهاب بدرخان

على رغم اتجاه القتال في اليمن إلى تكريس غالب ومغلوب إلا أن اقتراب الحسم من العاصمة صنعاء يوجب توضيح خريطة الطريق للمرحلة المقبلة، بل الوشيكة، طالما أن الأحداث تتسارع بوتيرة تتجاوز التوقّعات. فالحل العسكري كان ضرورياً لتفعيل الحل السياسي الذي لا يزال أساساً لاستعادة الدولة والمؤسسات من خلال الحكومة الشرعية، واستعادة التعايش بين مختلف الفئات، والشروع في بناء مشاركة سياسية بعيدة عن الأجندات الأيديولوجية أو الطائفية. والمطلوب في تلك الخريطة أن يصار إلى تجنب معركة صنعاء ووضع ترتيبات متدرجة لإنهاء الحرب، وفقاً للقرار الدولي 2216، لأن جوهر هذا القرار ليس تغليب طرف على آخر وإنما تغليب احترام الدولة والشرعية، تحقيقاً لمصلحة الجميع. ولذلك يتطلّب الوضع الراهن أن يحسن المنتصرون إدارة غلبتهم والمغلوبون إدارة هزيمتهم لأن الانتصار الحقيقي هو في عودتهم إلى الحوار والتعايش.

وهذه فرصة لفتح صفحة جديدة في تاريخ اليمن، والأفضل أن تبدأ باحترام الأصول وإعادة الاعتبار لإرادة الشعب، والأهم لوضع كل الطاقات العسكرية والأمنية في خدمة المجتمع وأمنه واستقراره. وهذه فرصة أيضاً لأن يكمل كل طرف مراجعته لسياساته وممارساته السابقة، فكل الأخطاء التي قادت إلى الوضع الراهن باتت معروفة ومكشوفة، وإذا كانت العودة إلى الوراء لن تفيد أحداً فإن البناء على تلك الأخطاء لا يعني سوى إنهاء جولة من التناحر في انتظار الجولة التالية وإبقاء بذور الشقاق قائمة ونامية. ولكن العهد السابق فصّله صاحبه علي عبدالله صالح على مقاسه ولم يكن واعداً أبداً بإقامة دولة بمعنى الكلمة، وانفضحت كوارثه حتى قبل أن تحين نهايته، فما مغزى أن يكون ولاء الجيش والأمن الوطنيان، أو مجرد قطعات منهما، لشخص معيّن أو لقبيلة معيّنة أو لفرع منها، ما دامت الموارد التي سخّرت لإعدادهما كانت موارد البلد ولا تخص الشخص أو القبيلة أو فرع القبيلة؟ وما هي المصلحة بعيدة المدى التي تدفع بهذا الرئيس السابق إلى زج «عسكرييه» في قتال ضد حكومة كان أول المعترفين بشرعيتها؟

&


أما الحوثيون الذين تحالفوا مع الرئيس السابق، بعدما خاضوا ضدّه ست حروب، فمن الواضح أنهم أظهروا عدم أهليتهم السياسية وتمثّلوا بمدرّبيهم من «حزب الله» اللبناني في الاستهزاء بكل ما هو دولة أو شرعية أو شعب مسالم أو تقاليد وأعراف. استخدموا كل «ذكائهم» في استغلال مواضع الضعف التي خلّفها حليفهم في أوصال الدولة، ومدّوا أيديهم للاستحواذ على ما هو ملكية الشعب اليمني وليس ملكيتهم. وأصبح مؤكداً أنهم تعاملوا مع البلد على أنه غنيمة واستدرجوه إلى وضعية انقلابية لا تريد الإفصاح عن نفسها، ولكنهم وقعوا في الفخاخ التي نصبوها للآخرين، إذ لم تصرّفوا وكأن ما يفعلونه لا يرتّب عليهم أي مسؤولية، كما لم يفطنوا إلى تدارك ما يعانونه من نقص في الخبرة، ما انعكس على إدارتهم للأزمة فراكموا الأخطاء وأرادوا أن يبنوا عليها أي حل يمكن التوصّل إليه. وهذا لن يحصل، بطبيعة الحال، لأنهم لم يعودوا يتمتّعون بأي تفوق عسكري على الأرض، ولا ينفردون بحمل السلاح. ولكنهم لا يزالون ينفردون بأمرين: أولهما مواصلة القتال بأشكال متعدّدة للحيلولة دون جلوس بقية الأطراف للاتفاق على المرحلة الانتقالية، والآخر مواصلة الاعتداءات الحدودية ضد السعودية آملين في تدخلٍ إيراني ما لإنقاذ مشروعهم الذي بات وهمياً تماماً.

ويؤمل في أن تكون المحنة القاسية التي ألمّت باليمن قد علّمت كل الأطراف اليمنية، ولاسيما أحزاب وجماعات التيار الإسلامي، أن تغليب مصالحهم وأجنداتهم على غرار الحوثيين وصالح ليس سوى مجازفة بالبلد وأهله، ومن شأنها أن تطيح كل المصالح والطموحات. فليست هناك فئة واحدة تستطيع أن تستأثر بالحكم، لا باسم القبيلة لأن البلد قبائل، ولا باحتكار الإسلام لأنه دين الجميع، ولا تحت راية الحزب الواحد لأن هذا لون حقبة مندثرة! وطالما أن اليمن بعد الحرب كما قبلها يعتمد على المساعدات الخارجية فإنه سيحتاج خصوصاً إلى من يتمتعون بالكفاءة والنزاهة لإدارة دولة يستطيع الجميع أن يستفيدوا منها. وما سيكون على المحك في يمن الغد هو إرادة اليمنيين في جعل وطنهم بلداً قابلاً للتطور والنماء، وليس بلداً طارداً لأبنائه. إذ سيبقى أمامهم تحدّي التطرف والإرهاب المتمثّلين بتنظيمي «داعش» و«القاعدة»، وهذا يمكن دحره فقط إذا توفّر مناخ من التوافق السياسي، أما المغامرة الحوثية فمنحت الإرهاب فرصاً أخرى للتغلغل في العديد من المناطق.
&