أشرف العشري
&
بدون مبالغات أو ضرب من المواربة أو البحث عن عبارات ممجوجة أو مكررة، تعتبر زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى اليوم لروسيا، استثنائية وغير تقليدية، حيث الفرص مواتية لثقل وصياغة استراتيجيات واعدة وبناء جسور وقلاع صلبة لحاضر ومستقبل أفضل لبلدين معا هما مصر وروسيا، يتوقان لإعادة تحديث وهيكلة ماض تليد بينهما وبالتالى باتت العلاقات تمر بمرحلة ذهبية بات علينا الاستقلال الامثل لها نحو الأفضل دائما، بعد أن أصبح التفاؤل سيد الموقف وبات لدى صانعى القرار فى البلدين قناعة تلامس اليقين، إن ما وصلا إليه ليس عبثا أو مصادفة، بل هو نتاج فكر واستراتيجيات وتلاق لذكاء عقول بين قائدين ومقاربات واقعية لأزمات مستحكمة وقضايا شائكة متفجرة، لإقليم باتت تضربه يوميا فوضى التقسيم ورسم خرائط جديدة بالدم وحزام الزلازل الناسفة.
بكل تأكيد ذهاب الرئيس السيسى اليوم إلى روسيا، للمرة الثالثة فى غضون عامين، هو أفضل رد ورسالة على سلبية ورخاوة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه مصر منذ ثورة 25 يناير عام 2011، حيث علينا أن نقر ونعترف بالمطلق، بأن أمريكا خانت مصر وأن أوباما باع استراتيجية محورية العلاقات والحوار بثمن بخس، ناهيك عن رفع الغطاء فى أحلك الظروف عن الحليف الاستراتيجى لمدة 35 عاما من أصعب الأوقات، حيث كان حريا بنا وبالسيسى للبحث عن بديل أو إيجاد توازنات متعددة تصب فى خانة حفظ القرار وصيانة الإرادة المصرية، بعيدا عن سياسة الإملاءات الأمريكية التى صاغها السادات لسبع سنوات وباركها مبارك لمدة 30 عاما، والتخلى نهائيا عن القاعدة المصرية المرذولة بوضع البيض المصرى والقرار السياسى فى السلة الأمريكية بعد أن لامس المصريون سياسات أمريكية بحق القاهرة فى السنوات الخمس الماضية مفعمة بالفشل والإرباك وصياغة المؤامرات والضغط والإملاء علينا بمواقف بائسة ليس هذا أوانها، أو تحريك أدواتها وشركائها الجدد من عناصر الإرهاب والجرم لجماعة الإخوان، التى كانت ومازالت منذ ثورة يناير تتبنى مطالبها غير المشروعة بالباطل وتدبير المكائد بحق هذا الوطن.

لا أقول إن الذهاب الى روسيا اليوم تخلى وقطيعة نهائية مع الولايات المتحدة، بل على العكس، العلاقات معها حيوية واستراتيجية لكن ليس فى الوقت الحالي، فلا رهان مرتقب أو أمل يرتجى لعلاقات مصرية ـ أمريكية أفضل فى عهد أوباما، بل يجب أن يكون الرهان المصرى على الرئيس القادم للبيت الأبيض فى يناير عام 1917، وعندها يمكن لنا أن نتجاوز مرحلة شبه القطيعة والتعطيل الحالى فى علاقات البلدين.

وبالتالى أمام الرئيس السيسى فرصة سانحة اليوم فى روسيا، وخلال مباحثاته مع رجل الكرملين وأعوانه لطرح عدد من الملفات والقضايا التى أرى أنها يجب أن يكون لها الأولوية، وقصب السبق فى جدول الأعمال ولا غنى عنها حيث أتمنى أن يحمل معه فى حقيبته خمس ملفات لا تحتمل التأجيل أو الدراسة، أملا أن يعود بإجابات ونجاحات وافية سيكون لها مردود إيجابى على الدولة المصرية عسكريا واقتصاديا وتنمويا وسياسيا، وستختصر كثيرا من عنصر الوقت والزمن لتوفير استحقاقات النجاح لهذا الوطن مصر وفى وقت قياسي، وهي:

أولا: البحث بشتى الطرق فى توسيع ملف التعاون العسكرى، وإنشاء آلية عبر لجنة عسكرية مشتركة دائمة لتقرير أوجه التعاون العسكرى واللوجستى دوما، حيث تعقد هذه اللجنة اجتماعات دورية ماراثونية كل ستة أشهر لبحث تحديث وتطوير المنظومة العسكرية المصرية دوما فى جميع القطاعات والأسلحة، بحيث بعد خمس سنوات مقبلة ننتقل خطوات سريعة فى التصنيف العسكرى العالمي، لنصبح القوة السابعة أو الثامنة فى العالم، وهذا ليس ببعيد على فكر ورؤية رئيس كالسيسي.

ثانيا: الاتفاق على تحفيز شراكة اقتصادية واستثمارية واعدة كبرى بين البلدين، عبر حضور ومساهمة روسيا فى مشروعات البنية التحتية فى مصر واستغلال نجاح مشروع قناة السويس واستثمار روسى عملاق فيه عبر مختلف الاستثمارات وبشتى الأنواع.

ثالثا: اقناع بوتين والروس، بإعادة تأهيل وهيكلة المشروعات الكبرى التى أقاموها فى مصر عبر جدول زمنى قياسي، بجانب فتح المجال أمامهم من جديد لإقامة مشروعات كبرى ذهبية على غرار مشروعات واستثمارات الستينيات فى مصر.

رابعا: الاتفاق على فتح المجال السياحى الروسى إلى مصر كاملا، عبر آليات جديدة وتحفيز غير معهود للسياح الروس، بحيث تصل أعدادهم الى قرابة العشرة ملايين فى العام كما فعلوا مع فرنسا هذا العام، التى استقبلت 85 مليون سائح من العالم هذا العام معظمهم من روسيا ودول الاتحاد الأوروبي.

خامسا: تسريع وتيرة التطبيع والتكامل السياسى والدبلوماسى بين البلدين بهدف توفير حاضنة روسية سياسية لمصر فى معركة حصولها على مقعد غير دائم فى مجلس الأمن الشهر المقبل، وتوسيع دائرة التعاون لصياغة مبادرة مشتركة لحل الأزمة السورية من قبل البلدين بعد فشل كل الجهود الدولية لإنقاذ دمشق، وبالتالى إتاحة الفرصة والحضور أمام مصر لملء الفراغ فى المنطقة.

فهل تستغل مصر والسيسى كل التطورات الجديدة سواء الإيجابية فى الداخل المصرى أو السلبية لقضايا الإقليم، لتعظيم الحضور للدور والمكانة المصرية، حيث يجب أن يكون الإطار الفكرى والسياسى الحاكم للسيسى من الآن، سواء فى موسكو أو أى عاصمة يزورها، أن مصر والشعب المصرى باتا يستحقان مستقبلا أفضل. ودورا متميزا فى المنطقة.