أحمد عبدالملك

هل يبالغ الخليجيون في موضوع الحفاظ على الهوية؟ وهل هم يحتاجون لهوية غير الهوية العربية التي تشوهت هي أيضاً بفعل العولمة والنزعة الاستهلاكية المهيمنة، وما يقابل ذلك من خروج بعض المنابر عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى نشر خطاب الكراهية وتأهيل الشباب لمهام انتحارية؟!

من حق كل شعب الحفاظ على هويته. وفي الوقت الحالي، هناك احتفاء بحضارات قديمة، مثل الحضارتين الفرعونية والرومانية، وحضارة المايا والثقافات الكونفوشية والهندية واليابانية، وما زالت شعوب أميركا الجنوبية تحتفل بطقوسها الثقافية القديمة في شوارع لندن وباريس ونيويورك.

من حق الخليجيين كذلك المحافظة على هويتهم التي يبدو أن مستجدات الزمن قد مستها، ما يُهدد بتلاشي القيم والتقاليد الجميلة، خاصة قيم التسامح والتآخي وحُب الآخر. ومن العوامل التي أثّرت في تلك الهوية:

التفكك الأسري: فالطفل يبقى في يد الخادمة أكثر مما يبقى رفقة والديه. والشاب يجلس ساعات مع السائق، والمُراهقة تجلس إلى هاتفها أو جهازها اللوحي مع «القروب» أكثر مما تجلس مع العائلة. وفي مناخ كهذا يتلاشى التواصل الأسري ويحل محله التواصل مع الآخر المختلف، فيتم تدريجياً تبني الثقافة الأخرى دون أن تشعر الأسرة. وتستتبع ذلك بعض المظاهر التي يقبل عليها الشباب، والتي يمكن أن تغريهم بالتخلي عن بعض السلوكيات الطيبة بدعوى التحضر ومجاراة العصر!

الإعلام: فغالبية البرامج الإذاعية والتلفزيونية لا تهتم بموضوع الهوية أو الثقافة المحلية إلا لمماً. وللأسف فإن الطفل الذي عمره 3 سنوات -والذي تعلَّم اللغة الإنجليزية من الخادمة أو من الروضة- ما عاد يحفل بقنوات الأطفال العربية ولا بالبرامج التي تبثها، والسبب أن القنوات الأجنبية مشوقة وتفتح آفاق الخيال لدى الطفل، أما القنوات المحلية فهي -في الغالب- رتيبة وفيها الكثير من المباشرة والتقليدية.. لذا، ينشأ الطفل نشأة ثقافية مُغرَّبة.

التعليم: له دور كبير في الحفاظ على الهوية المحلية، لكننا نجد الكثير من العائلات الخليجية وهي «تُفاخر» بإدخال أبنائها مدارس أجنبية، ولا يهمها إنْ وصلوا مرحلة الجامعة أن لا يستطيعوا كتابة ثلاثة سطور باللغة العربية السليمة، ناهيك عن مرحلة العمل، حيث اتضح أن معظمهم يجهلون اللغة الأم أو اللغة الوطنية، والأنكى من ذلك عدم حُبهم للقراءة، ما يجعل ذاكرتهم بصرية لا معرفية ثقافية، إذ يستقون جلّ معلوماتهم من الهاتف والتلفزيون.

نمط الحياة الاستهلاكية: فهناك صرف غير مقنن، حيث نجد شاباً يدفع 60 ألف ريال غرامة تجاوز السرعة وهو يبتسم! هذا علاوة على الاتكالية عند كثير من الشباب، حيث نجد الواحد منهم يمتلك سيارة فارهة لكنه لا يريد أن يتعب في إيجاد موقف لها، فيلجأ للسائق كي يأخذه إلى العمل ثم يعيده إلى المنزل! كما نجد شابة تدفع 15 ألف ريال قيمة عباءة لا تزيد قيمتها الحقيقية عن 2000 ريال! ناهيك عن الأنماط الأخرى لحياة الشبان والشابات، حيث نجدهم لا يحتملون القيام بأي عمل لأنفسهم، فهم يريدون كل شيء جاهزاً وبلا جهد. والكثير من الشباب أيضاً لا يأكلون مع أُسرهم البتة، فيخرجون إلى المطاعم مع شللهم، ولو حسبت عدد ساعات جلوسهم مع عائلاتهم لوجدتها قليلة للغاية، بسبب حُب المباهاة والمظاهر الكاذبة، حيث تغيب ثقافة الإنتاج وانضباط الحياة.

التقليد والمحاكاة: وذلك جراء نمط الحياة الاستهلاكية، خصوصاً ما يتعلق بإضاعة الوقت وعدم الدقة في المواعيد. فالشاب يتأثر بمن حوله، سواء في اقتناء السيارات وتناول الدخان والمنشطات والسفر واللباس الغالي والطعام الفاخر والتأخر عن العمل، والاعتماد على الأب أو السائق.. ما يحول دون تأهل الشاب لتحمل مسؤولياته مستقبلاً، ناهيك عن الاعتزاز بالهوية والوعي بضرورة الحفاظ عليها.

أخشى ألا أكون متشائماً أكثر من اللازم.