محمد الرميحي
&
كانت صفة ضبط النفس هي الغالبة علي سياسات دول الخليج تجاه الاستفزاز الايراني لأكثر من ثلاثة عقود وفي أكثر من مكان علي الأرض العربية، فسرت تلك السياسة من جانب طهران ،علي انها ابتعاد عن المنازلة أو قلق علي اوضاع داخلية قد يعتريها التوتر ، لم تكن طهران بمخطئة في شيء أكثر من خطئها في تفسير ضبط النفس الخليجي المتسم بالنفس الطويل.

كانت تعرف ان ما يغري أمريكا بما تظهره من وعود و تحتفظ به كجزرة من مصالح يمكن تحقيقها (الشيطان الاكبر)، سوف يقلل من احتمالات الولايات المتحدة في الدخول في صراع معها من اجل (عيون الخليجيين)، بعد عاصفة الحزم فوجئت طهران بأن حساباتها كانت خاطئة، بدأت في صراخ طويل كالت فيه للسعودية ودول الخليج كل اشكال السباب والتهديد، علي امل ان النباح يؤثر أكثر من العض، واستخدمت ادواتها العربية لزيادة ذلك النباح، الا ان طهران وجدت نفسها مع كل الغبار الذي اثارته، غير قادرة علي العض، فتركت بعد ذلك عاصفة الحزم تأخذ مجراها، وتحررت معظم اراضي الجنوب اليمني، وباقي الارض اليمنية في طريقها الي التحرر، ووصلت طلائع مجلس الوزراء الشرعي الي العاصمة الثانية، عدن.

دول الخليج بقيادة السعودية و مع اشقائها العرب الذين ناصروا فكرة الوقوف امام وجه الاطماع الايرانية، قد استقر لهم امر يقيني، ان ايران إذا تركت تعيث فسادا في المنطقة ، فهي لن تبقي ولن تذر. العواصم التي وقعت تحت تأثيرها اصبحت اثرا بعد عين، فبغداد لم يحل بها السلام، ودمشق اصبحت أشلاء، وبيروت لا يوجد فيها رئيس منذ اكثر من عام واصبحت دولة هشة، تلك هي بعض النتائج السلبية المباشرة للتدخل الايراني في الحواضر العربية، ولم يكن من العقل ان تترك العواصم العربية نهبا لهذا التيار المدمر ، فجاء الوقوف ضد تمددها في اليمن، لان اليمن هو خاصرة الجزيرة العربية، وهو الطريق الممهد للعبث بأمن الخليج،وافشال مشروعها هناك بداية لافشال المشروع بكامله علي الارض العربية. الخليجيون في الملمات قلب واحد، اثبتوا ذلك في الوقوف مع مصر في محنتها حتي هيأ لها الله المنقذ الذي خلص مصر من امور شريرة كثيرة، منها وصول النفوذ الايراني الي الكنانة ، كما وقفوا قبل ذلك ضد احتلال صدام حسين للكويت قبل ربع قرن، ومن ثم اسسوا ابان الحرب العراقية ـ الايرانية مجلس التعاون، الذي حقق لهم اهدافا ، ولا تزال اهداف اخرى يتشوق لها اهل الخليج ان تنفذ.

هنا بيت القصيد، فهل يبقي الخليج بعد عاصفة الحزم كما كان قبلها، كثير من المراقبين يعتقدون ان الامور قد اختلفت، فقد عمد الدم الخليجي اركان تكاتف غير مسبوق بين اهل الخليج،ولن يرضوا بغير الكونفيدرالية التي يتوجب ان يهيأ لها منذ الان. لقد تبين اليوم ان العلاقات الدولية تغيرت دون رجعة، وليس علي العرب ـ والخلجيون اولهم ـ الا اتباع سياسة ان (يقلعوا شوكهم بايديهم) لن يقلع هذا الشوك احد غيرهم، لا من الدول الكبري ولا المتوسطة. يقول باحث في مؤسسة راند البحثية المشهورة، وهي احدي اذرع السياسة الخارجية الامريكية، ان وزير الدفاع الامريكي الاسبق روبرت جيت قال: (ان اي شخص يتحدث عن خوض حرب أمريكية غرب اسيا، لا بد ان يتم فحص عقله في مصحة) هذا القول كناية عن ان (حروب امريكا بالنيابة) كان اخرها افغانستان والعراق ،وعلي المتضررين ان يساعدوا انفسهم. ربما تقدم امريكا بعض الدعم اللوجستي او بعضا من الاسلحة الحديثة(بثمن) لكن لن تدخل حربا. الاستراتيجية الايرانية عرفت ذلك مبكرا، منذ ان رأت ان يدها غير مغلولة في العراق وفي سوريا وفي لبنان، فارادت ان تتوغل. العرب كانوا في منزلة بين منزلتين، انتظار (الردع الامريكي) أو (انتظار العقل الايراني) كلاهما لا الردع ولا العقل قد ظهرت تباشيره.

لم يتخذ قرار البدء بعاصفة الحزم أو عاصفة الصد، من أجل نصرة جزء من الشعب اليمني علي جزء آخر، أو تغليب فئة علي فئة، القرار اتخذ حتي لا تجرد اليمن من عروبتها، أو يحاول فريق منتم إلي طهران اخذ اليمن رهينة تمهيدا للوثوب علي الخليج، متي ما تم له ابتلاع اليمن. حقيقة الأمر ان (العقل الايراني) لن يأتي سريعا، ربما يحتاج إلي سنوات طويلة حتي تظهر تباشيره، بصرف النظر عن الاشارات التي تبدو بين فترة واخري ،كما هي اشارة الرئيس حسن روحاني الاخيرة التي هنأ فيها الاسرائيليين بعيدهم. ما زال الصراع مستمرا في طهران، وبغلبة المتشددين، الذين يجدون في هذا التشدد استمرارا لكل عيشهم، وما القضايا الجنائية التي يحاكم فيها البعض في كل من البحرين والكويت بتهم تهرب سلاح، ليس ببعيد عن اعين أو تدبير طهران تلك المحاكمات هي احد الادلة الدامغة علي ان (التعقل) الايراني المرغوب بعيد المنال . تتدخل هنا عوامل أخري لها ضرورة الابقاء علي الحياة في الخليج، منها اهمية ان يكون هناك (عقيدة قتالية واحدة) لجمع وتكثيف الموارد المتاحة، وهي تقل الان بعد تراجع اسعار النفط ، بجانب ما يحتاج الخليج من توحيد في الارادة السياسية في الكثير من الملفات. لم يعد الامر بعد عاصفة الحزم يحتمل التأخير أو التراخي، فإما ان يبقي الخليج مدافعا عن مصالحه المشتركة أو يتعرض، لا سمح الله، إلي توتر أصله خارجى وادواته ربما تكون داخلية. قبل اشهر وقبل عاصفة الحزم وصف الامير خالد الفيصل المشهد الخليجي بكلمات قليلة في خطاب موجز ومعبر ، قال (الامر جلل، في الكون خلل، والصبر ملل، استفحل القتل، واستكبر الجهل واستسلم العقل..) تلك الكلمات كانت جرس انذار لمن يريد ان يسمع وقد قيلت قبل بدأ عاصفة الحزم بأشهر!

الخليج اليوم بين حربين، حرب النفوذ الايراني، وحرب الإرهاب المستشري، وربما يكون اصلهما واحدا، في جزء منه التدخل الطويل والمتزايد للايرانيين في الشأن العربي والخاصرة الخليجية وجزء منه تأخر اتخاذ قرارات حاسمة للسير إلي الامام في حفظ الأمن الجماعي والقائم علي الموارد الانسانية الذاتية. ازف الوقت ان نفكر في اليوم التالي، وهو يوم فيه من التحديات ما قد لا نعرفه الآن.