محمد خروب

&
في تطور لافت وحافل بالدلالات، اقرّ مسؤولون في الادارة الاميركية وخبراء عسكريون، بان العملية العسكرية الروسية في سوريا، المُستمِرة منذ ثلاثة اشهر، تعُدّ فَعّالة وناجحة الى حد كبير، حيث حدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الهدف الاساس منها وهو اعادة التوازن الى الحكومة والجيش السوريين. هذا ما نقلته حرفيا وكالة انباء رويترز، عن هؤلاء المسؤولين الاميركيين في اطار تحليل اخباري مُطوّل، جاء فيه ايضا انه «يمكن لروسيا مواصلة العملية على هذا النمط لمدة سنوات مقبلة، من دون ان تُشكِّل نفقاتها عبئاً على الميزانية الروسية».
&
وبصرف النظر عمّا ذهب اليه هؤلاء في الغمز من قناة الدبلوماسية الراهنة ومحاولتهم التوافق «ولو من قبيل المُجامَلة» مع ما كان ذهب اليه ذات يوم الرئيس الاميركي باراك اوباما، عندما فوجئ(وأجهزته الاستخبارية التي يصفونها بأنها كُلِيّة القدرات) بحجم وقوة الانخراط الروسي في الازمة السورية لقطع الطريق على المخطط الاميركي المدعوم اوروبيا واقليميا (عربيا وغير عربي)، لاطاحة النظام السوري وتقسيم سوريا الى امارات وكانتونات طائفية ومذهبية وعِرقية واعادة رسم خريطة المنطقة لاراحة اسرائيل وتمكين واشنطن من ارتهان المنطقة العربية – دولها والشعوب – لخدمة المصالح الاميركية والصهيونية وقوله»اوباما» باستعلاء «ان الروس علِقوا في دوامة حرب اهلية بطريقة ستجعل من الصعب عليهم الانسحاب» ما لبث بعض العرب من المُضَلَلين والمُضَللِين، ان زايدوا على سيدهم الاميركي وراحوا يذكّرون بوتين بأفغانستان وما ألحقه «المجاهدون» (الاميركيون حتى لا ينسى احد) من هزيمة بالاتحاد السوفياتي، في مقارنة متهافتة وغير واقعية بل وفي الاساس تَغرِفُ من معين وسائل الاعلام الغربية وتسريبات الاستخبارات الاميركية والصهيونية، الا انه – اي رغم كل ذلك – فان نشر مثل هذا التقرير الان وفي هذا التوقيت بالذات، يحمل دلالات عميقة ومؤشرات على ضرورة انتهاج مقاربة جديدة بعيدا عن الاوهام والتنظيرات الكلامية، التي يواصل من خلعوا على انفسهم صفة «قادة» المعارضات السورية واؤلئك الذين ما زالوا يدعمونهم ويراهنون عليهم، ان يستخلصوا الدروس والعِبر قبل فوات الاوان، وان يتخلوا عن اوهامهم والخزعبلات التي تملأ رؤوسهم ويواصلون اطلاقها عبر تصريحات لا رصيد لها، وبخاصة في قولهم ان لا حل ببقاء «الاسد» وان المطروح على الطاولة الان هو تطبيق جنيف-1، وتحديدا في ما خص المرحلة الانتقالية والحكومة ذات الصلاحيات الكاملة وغيرها من الترهات، التي باتت خلف الجميع، وخصوصا اسيادهم عبر المحيطات الذين اخذوا يتعاطون مع «المسألة» بواقعية وبرود مطلوب، حتى لا تحدث «دعسة» مفاجئة وسريعة اكثر مما هو مطلوب، ويذهب الجميع الى دائرة المواجهة التي يعرف الغرب الاستعماري انها ستكون كارثية على المُنخرطين فيها، في ذات الوقت الذي يدركون في دواخلهم ان «معارضات» كهذه، لا تتمتع بصفة القيادة او الوطنية بشيء ولا هَمّ لديها سوى زيادة ارصدتها والمتاجرة بآلام السوريين، ان تُخاض حروب ومواجهات مُكلِفة من اجل ايصالهم الى سدة الحكم، ما بالك الان وبعد خمس سنوات اثبتت المعارضات هذه، انها اكذوبة كبرى كما تراجع حضورها ودورها وفقدت كل مقومات تمثيلها المُصْطَنع اصلا، ولن تُحِدث المؤتمرات التي تعقدها في هذه العاصمة او تلك، اي فرق يُذكر او مُؤثر في وقائع الميادين وساحات المعارك السورية التي تُسَجّل نجاحات واضحة لصالح الجيش العربي السوري.
&
ليس صدفة ايضا، ان تُعلن واشنطن ان لا دليل لديها يؤكد استخدام الطيران الروسي قنابل عنقودية في قصفها لمواقع المنظمات الارهابية التي تعيش فسادا وقتلا وتدميرا في الاراضي السورية، ما يضع ابواق المعارضات وتلك العواصم (القليلة على اي حال) التي تدعمهم، في موقف اكثر صعوبة، ليس فقط على صعيد الخسائر المُتلاحقة التي يتكبدونها ميدانياً، بل وايضا في افتضاح اكاذيبهم وفبركاتهم واحبولاتهم الاعلامية كالادعاء باستخدام الغازات السامة والقنابل العنقودية من قبل الجيش السوري أو الطائرات الروسية لتبرير هزائمهم او لاستجرار التعاطف معهم.
&
ما يحدث سياسيا وميدانيا، يجب وبالضرورة ان يدفع ما تبقى من صدقية لبعض هذه المعارضات – وليس اؤلئك الذين شكّلوا ما يسمّى «الهيئة العليا للمفاوضات» واحتكروا تمثيل المعارضات وحالوا دون تمثيل معارضة وازنة وذات حضور شعبي في الداخل السوري، الى اخذ زمام المبادرة واظهار المزيد من الشجاعة وبُعد النظر وحسم مواقفهم على نحو يليق بهم وبوطنيتهم والانخراط في مفاوضات جادة وحقيقية مع الحكومة السورية، لاستدراك الامور وتجنيب سوريا وشعبها المزيد من الخسائر في الارواح والدماء والعمران، ووقف كل اشكال التدخل الخارجي، وخصوصا العربدة التركية وتبَجُّح بعض العرب، وعدم السماح لمعارضات كرتونية ان تسرق تمثيل الشعب السوري وتجعله «سلعة» في فنادق النجوم الخمسة، على ما فعل بعض معارضي الداخل، ممن ظن الناس بهم خيرا, فاذا بـ»زعيم «منهم يأخذ الى الرياض – صهره وابن اخيه – ليقال للسوريين لاحقا ان هذا الرجل الثمانيني معارض «مُمثِل شرعي وصلب... للداخل «.