&&أخطر رسائل الداخل والخارج بخصوص ملف «الانتخاب» الأردني: «إخضاع» غرف العمليات للقرار السياسي قبل وأهم من «شرعنة» قانون عصري وديمقراطي

&

&بسام البدارين

حتى اللحظة لا يثمر سياسيا واجتماعيا تذكير الناس في الأردن بأهمية الرهان على قانون الانتخاب الجديد بإعتباره أهم أداة للإصلاح السياسي، فعملية المضي قدما في«شرعنة» القانون الجديد تباطأت نسبيا والكثير من الحيثيات والتفاصيل تتعرض للاجتهاد ويكتنفها الغموض.

طبقة من «المبشرين» بتدشين قانون انتخاب عصري حديث أسقط نظام الصوت الواحد في المملكة ما زالت ناشطة ..وزير التنمية السياسية اليساري خالد كلالدة يطالب كل من يلتقيهم من رفاق المعارضة والرأي الآخر بإظهار قدر من المرونة لاقتناص فرصة التغيير الايجابي.

تعليقا على استفسار لـ «القدس العربي» وأمام نخبة من المثقفين في ندوة مغلقة ألمح الكلالدة لضرورة عدم تفويت فرصة الاستثمار السياسي في الحراك الذي سينتجه القانون الجديد في الحياة العامة داعيا ضمنيا لعدم الاسترسال في منطقة الشك والريبة والسلبية معززا منطق المشاركة في الايجابية المتعددة التي ينتجها القانون.

ليست صيغة مثالية تماما ـ شرح الكلالدة ـ وأضاف: لكنها متطورة جدا عن صيغة النظام الانتخابي السابق وتلبي الكثير من المطالب.

نقاش «القدس العربي» تركز على تجاهل الجميع لملف «إجراءات النزاهة» وبوضوح ظهر ان الوزير لا يحبذ الخوض في هذه المساحة التي يعتبرها كثيرون إشكالية جدا خصوصا بعد اختبارات سابقة أخفقت فيها ضمانات سياسية رفيعة في ضبط «غرف العمليات».

الإخوان المسلمون لهم موقف محدد من مسألة غرف العمليات وقانون الانتخاب وممثلهم الإعلامي الشيخ مراد عضايلة أفاد لـ«القدس العربي» بالآتي: لا بد من الانسجام مع أنفسنا فموقفنا ضد الصوت الواحد والقانون الجديد يلغي الصوت الواحد وتلك خطوة إيجابية في كل الأحوال أما مسألة المشاركة في الانتخابات فتتطلب التعمق في منظومة النزاهة.

عضايلة يتحدث عن وضع ضوابط لا تقبل الشك في غرف العمليات أثناء إجراء الانتخابات، والمراقبون التقنيون يؤشرون على أن القرار السياسي حتى وهو يضمن نزاهة الانتخابات ينبغي له ان يضع آليات يضبط فيها ما يجري في كواليس غرف العمليات ليس خلال الإقتراع فقط بل في كل مراحل العملية الانتخابية.

هنا حصريا يعترف بعض كبار الساسة أن شيطان العبث وتزوير الإرادة يكمنان في التفاصيل العملياتية لأن النزاهة ليست فقط قرارا سياسيا بل إجراءات على الأرض بات يعرفها ويعرف ألاعيبها كل من يشارك في العرس الانتخابي الوطني وأيضا لإن غرف العمليات تداعب أحيانا وتلاعب وتضلل حتى القرار السياسي المرجعي.

يمكن فهم حديث شهير لرئيس مجلس الأعيان الأسبق عبد الرؤوف الروابدة حول «تزوير الإرادة السياسية» بهذا المعنى، فالمشكلة ليست في الضمانات ولا الإرادة بل في إمتثال الأجهزة والمؤسسات الرسمية لها عندما تتقرر.

هذا حصريا ما تطلب أصلا خطوة اصلاحية دستورية كبيرة من وزن «هيئة مستقلة للانتخاب». وهو بالتوازي ما ألمح له أول رئيس لهذه الهيئة وزير الخارجية الأسبق المخضرم عبد الإله الخطيب في نقاش حيوي عندما تحدث عن «جسم جديد» بصلاحيات دستورية تقاوم ولادته ووجوده وعمله ولا تتقبله أحيانا بقية الأجسام البيروقراطية في الدولة.

الخطيب قليل الكلام ونادر الظهور تعرض لبعض المفارقات قبل مغادرته الهيئة عندما اكتشف أن بعض الحكام الإداريين التابعين لوزارة الداخلية يرفضون ممارسة عملهم في الانتخابات عبر الولاء إداريا للهيئة المستقلة مما يؤشر على الأزمة «العملياتية» أيضا.

العضايلة يعرض بعض التفاصيل في السياق وهو يوافق على ان ممارسات العبث تتم خلف الستارة وفي غرف العمليات البيروقراطية وعليه يتحدث عن تقنيات وخطوات ضرورية هنا لضمان الحد المنطقي من النزاهة مثل تسجيل محاضر لعملية الاقتراع وتوقيع المندوبين عليها وتوثيقها حتى لا يحصل تلاعب من أي نوع بالأرقام والأعداد والأصوات.

غرفة الإجراء تساهلت في التجارب السابقة مع بعض تجاوزات المال السياسي لصالح بعض المرشحين والإجراءات الأمنية وأحيانا القضائية لم تتخذ فعلا في مواجهة العديد من المخالفات القانونية وقصة «العد والفرز» تقلبت وتبدلت عدة مرات والحكام الإداريين تساهلوا في نقل الأصوات والمصوتين لمرشحين دون آخرين خلال مراحل التسجيل فيما لا توجد وسيلة قانونية لوقف توزيع أقراص الـ«سي دي» الشهيرة على مرشحين محددين سلفا.

بإختصار، قانون الانتخاب الجديد في الأردن يعبر ببطء تشريعيا وجلس على منصته السياسية ويمكن القول حتى الآن انه يحظى بغطاء مرجعي قوي من الإرادة السياسية.

تركيبة الشخصيات التي تدير حتى الهيئة المستقلة حتى الآن لا توحي بقفزات ديمقراطية أو إصلاحية حقيقية.

المشككون في المقابل كثر حتى اللحظة في الجانب الإجرائي والكلام بدأ بـ»المحظور» المتعلق بما يحصل خلف ستارة الإجراءات العملياتية والقناعة ترسخت حتى عند المجتمع الدبلوماسي المهتم والمتابع بإن الإصلاح الانتخابي الحقيقي حتى يبرز فعلا في الأردن أو يولد، عليه ان يبدأ حصريا من عند المحظور المسكوت عنه.

وهو محظور متعلق بوقف تزوير إرادة الدولة السياسية عبر «إخضاع» غرف العمليات قبل «إقناع» المراقبين سواء أكانوا مواطنين عاديين أو ممثلين للمجالس الأوروبية والغربية المهتمة بالتمثيل والتنمية السياسية والديمقراطية في الأردن.

تلك في كل الأحوال أهم وأخطر الرسائل التي يمكن التقاطها من شخصيات مهمة في الداخل بالمعارضة والحكم ومن صولات وجولات سفراء وممثلي الغرب وسط النخب المحلية.

&