سمير عطا الله


كان وزير خارجية لبنان الراحل فؤاد بطرس يروي («النهار» 15 يناير/ كانون الثاني) أن الزعيم الاشتراكي وليد جنبلاط جاء إلى منزله يومًا من دون إبلاغ مسبق ليقول له إن السفير الأميركي جيفري فيلتمان زاره في منزله وقال له إن «باراك أوباما سوف يصبح رئيسًا لأميركا، وسوف يقلب سياستنا في الشرق الأوسط رأسًا على عقب».


كانت هذه الرواية تفيد في قراءة رسالة أوباما «عن حال الاتحاد» وهو يبدأ سنته الأخيرة في البيت الأبيض، خطيبًا مفوهًا ومحللاً للشؤون الدولية وذا نظرة تاريخية إلى المعطيات، ومنها أن الشرق الأوسط حالة يائسة من الصراعات السياسية عمرها آلاف السنين.


إذن، لماذا المحاولة. فلتكن ألف سنة أخرى. أراد أوباما أن يتجنب خطأ آخر من أخطاء جورج دبليو بوش، وألا يُقحم القوات الأميركية في أي مكان، وانسحب مبكرًا من أي مسعى في الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ووقف دون حراك أمام الفيتو الروسي في سوريا، ولم يستخدم الفيتو الأميركي في فيتنام، وفتح أمام الروس أجواء سوريا ومياهها.


وهذا الحياد وفَّر على أميركا رجالاً وأموالاً، لكنه قلب الشرق الأوسط. وللمرة الأولى في التاريخ رأى العالم أميركا وروسيا، أوباما وبوتين، في جانب واحد ضد العرب ومع إيران. وقد علل أوباما ذلك بأسلوب المحللين، لا بطاقات زعماء الدول. ففي حين كانت أميركا تتراجع، قُتل عشرات آلاف السوريين، وشُرّد الملايين، وتدهورت أوضاع الشرق الأوسط إلى أسوأ ما عرفته منذ قرون، وتحول العرب إلى شعوب لاجئة يهدد دونالد ترامب بمنعها من الدخول.


يذكرني السيد أوباما في خطاب الاتحاد بما كان يتباهى به الرئيس الروماني نيكولاي تشاوشسكو. كان يقول إن رومانيا ليست مدينة بفلس واحد. وكان ذلك صحيحًا جدًا. لكن الصحيح أيضًا أن شعبها كان يقف في الطوابير من أجل ربطة خبز. راتب الطبيب كان أدنى من راتب حاجب في البلدان الأخرى. رسالة أوباما مليئة بالإنجازات السلبية: ما لم يفعل، وليس ما فعل. وكل ذلك مكتوب بفصاحة مشهودة وخطابيات مؤثرة وألفاظ حسنة الانتقاء. لكن هناك ملايين اللاجئين والنازحين الذين لا يملكون شراء صحيفة يقرأون فيها النص الجذاب.
&