عثمان الخويطر

&بشائر خير تلوح في الأفق. توجه جديد وعزم&

صادق نحو تطوير وتنويع مصادر الدخل. فمن الواضح أن المرحلة الحالية تتسم برؤية اقتصادية مستقبلية لا تقبل أقل من تحديد المسار الطويل الذي سينتهي بنا عند ملتقى دخل البترول والدخل الآخر المستديم. ولا بد من التعايش بين الاثنين حتى يتمكن الأخير من احتلال مكان الأول ونصبح ـــ إن شاء الله ــــ في مأمن من الفاقة والجوع.&

ولعل الحديث عن صلب الموضوع يحتم علينا أن نفرق بين ما أطلقوا عليه "خصخصة أرامكو" وبين ما يمليه علينا الواقع والمنطق. فشركة أرامكو السعودية تقوم بمهام رئيسة لصالح الحكومة السعودية، ليس منها تملك الثروة البترولية. فبإمكان الدولة في أي وقت شاءت أن تسحب من الشركة بعض الحجوزات أو حقول بترول وتوكل بها أطرافا جديدة. فـ "أرامكو" مجرد أداة عمل، تنفذ ما يعود على الحكومة والبلاد بالنفع، بناء على التفويض الحكومي والخبرة والرؤية التي تملكها الشركة وتمكنها من اختيار مجالات الاستثمار ذات العائد الاقتصادي المجزي. وفي نظرنا أن المعني بخصخصة "أرامكو" أو بعض ممتلكات "أرامكو" لا يعني المشاركة في ملكية البترول الموجود تحت الأرض، وما عدا ذلك فهو قابل للدراسة. الثروة البترولية، أو ما تبقى منها، تمثل دخل البلاد من اليوم حتى إخراج آخر برميل. ولا يطرأ على البال يفرط فيها وتباع بسعر بخس في وقت مستقبلي نتوقع فيه أن ترتفع الأسعار إلى عدة أضعاف، كلما اقترب البترول من النضوب. ومن المؤكد أن هدف المسؤولين من فتح باب الحديث هو المصلحة العامة، بصرف النظر عن أي اعتبارات أخرى. والمصلحة العامة تقتضي أن يكون الهدف هو إضافة دخل جديد للدولة مواز لدخل البترول وليس مرتبطا به ارتباطا مباشرا. من جهة أخرى يكون للمواطن دور أساس وفعال في تنمية المصادر الجديدة، تعود عليه هو أيضا بالفائدة، أي تكون هناك شراكة بين ما تملكه الدولة وما يملكه القطاع الخاص عن طريق تخصيص بعض المرافق الصناعية التي لها مستقبل واعد. وعلى الرغم من كون التخصيص يشمل صناعة بترولية، إلا أنه سيقود إلى وجود قطاع خاص يمتلك القدرة على تنويع الصناعة من بترولية صرفة إلى أنواع أخرى لا تعتمد على المصادر البترولية. فلدى شركة أرامكو استثمارات متعددة الجوانب، تشمل المصافي في مواقع كثيرة من العالم والبتروكيماويات والخدمات، بما فيها عمليات الحفر والبحوث العلمية، وجميعها قابلة للمشاركة حسب وضعها المالي الحالي ومستقبلها.&

اجتذبت دراسة فكرة تحويل قِسم من عمليات "أرامكو" للاكتتاب كثيرا من الاهتمام داخليّا وخارجيا. وذهب البعض، خصوصا الإعلام الخارجي، إلى حد محاولة تقييم أصول شركة أرامكو، بما فيها البترول الذي تحت الأرض، وكأنها ستقدم للحراج غدا. وتداولوا أرقاما خيالية من التريليونات، وإن كانت أقل بكثير من القيمة الحقيقية في نظرنا. ولكنه تقييم وعرض لا معنى له لأنه أمر لم يكن أصلا موضوعا للنقاش والمداولة. أما في الداخل، فكثيرون اختزلوا عملية طرح نسبة من أسهم شركة أرامكو في إنعاش سوق الأسهم السعودية. واعتبروها "أغلى" هدية لسوق الأسهم. وهو اعتقاد بعيد عن الهدف الأسمى الذي من أجله عبر المسؤولون عن اهتمامهم به. فسوق الأسهم يهم نسبة ضئيلة جدّا من مجموع عدد السكان. وهو ما يمكن أن يعتبر إجحافا بحق الذين لا يستطيعون امتلاك الأسهم. فالهدف الرئيس هو إشراك القطاع الخاص في تنمية التجارة والصناعة المحلية من أجل خلق بيئة صناعية تسهم في مجال تنويع الدخل القومي المتعثر. ومسألة إنعاش سوق الأسهم يأتي، من حيث الأهمية، في مرحلة متأخرة. ومن المحللين والكتاب من ظن أنه في حالة عرض جزء من مساهمات شركة أرامكو سيعزز من شفافية أعمال الشركة. وهي، ومنذ أن تحولت إلى مؤسسة وطنية، لم تكن مغلقة بالنسبة لمن يمتلكها أو بعيدة عن المراقبة. فهي ملك للدولة، والأخيرة تقرر مدى الشفافية المطلوبة. وهناك من توقع أن يكون عرض أسهم الشركة مجالا لاجتذاب رؤوس الأموال الأجنبية. فمن جانب، لا نعتقد أن المقصود من المساهمة مع "أرامكو" كان يهدف إلى جذب الاستثمار الخارجي، بقدر ما كان يعني منح المواطن فرصة للمشاركة في التنمية. ومن جانب آخر، فالباب كان ولا يزال مفتوحا منذ زمن للمستثمر الأجنبي في مجالات واسعة إذا توافرت لديه شروط الاستثمار. وحسبنا أن نقول إن مناقشة تفاصيل موضوع طرح أسهم شركة أرامكو السعودية سابق لأوانه. فلننتظر حتى تنتهي الدراسة وتصدر على أساس نتائجها قرارات ولاة الأمر.&

وقد يكون من جميل المصادفات أن يوافق الحديث عن مقاصد التنويع الاقتصادي الطرح الأخير الذي أعلنته شركة أرامكو السعودية قبل أسابيع تحت مظلة برنامج " اكتفاء ". وهو مخطط، فريد من نوعه، كانت قد أتمت الشركة دراسته بعناية جيدة، ويهدف إلى مساعدة القطاع الخاص على تطوير مساهماته في تنويع الدخل وإشراك المواطن في العملية بعد تدريبه وتأهيله عن طريق إيجاد وظائف ذات قيمة مضافة عبر توطين السلع والخدمات المرتبطة بقطاع الطاقة من مستواها الحالي البالغ 35 في المائة لتصل إلى 70 في المائة بحلول 2021. وتأمل الشركة أن يكون لهذا البرنامج أثر إيجابي في بناء قدرات التصنيع المحلي وتنافسية القطاع الخاص بحيث نستهدف تصدير 30 في المائة من ذلك التصنيع إلى المناطق والأسواق المجاورة في الخليج والشرق الأوسط. والأهم هو توليد نحو نصف مليون وظيفة مباشرة وغير مباشرة لأبنائنا وفتياتنا الشباب خلال 10 إلى 15 سنة القادمة. ومن المتوقع أن تبلغ مساهمة "أرامكو" في هذا المضمار ما يزيد على تريليون ريال خلال أقل من عقدين. وسيكون للشركة دور كبير في إنجاحه كخدمة وطنية وتأكيد لاهتمامها في مجال تنمية الاقتصاد الوطني. برنامج اكتفاء يسهم في حصر معظم متطلبات الشركة من المواد والخدمات في المنتج الوطني.