خلف الحربي
اسمحوا لي أن أجري اختبارا بسيطا يمكن من خلاله معرفة ما إذا كنتم تمتلكون مشاعر وأحاسيس تقليدية قديمة أكل عليها الدهر وشرب، أم أنها مشاعر عصرية متطورة تتناسب مع التطور التكنولوجي العالمي، الاختبار يتلخص في وضعكم أمام رجلين: الأول موظف أو عامل لا يكفيه راتبه الزهيد حتى منتصف الشهر، ورغم ذلك فصل من وظيفته هذه فجأة ووجد نفسه في الشارع، والثاني ملياردير مرموق تعثر في عدد من المشاريع ومنيّ ببعض الخسائر ويحتاج إلى تعويض خسائره بأسرع وقت ممكن للحاق بصفقة جديدة.
إذا كنتم سوف تتعاطفون مع الموظف المفصول الذي لا يعرف كيف سيلبي احتياجات عائلته فأنتم بالتأكيد تمتلكون مشاعر قديمة تحتاجون إلى تحديثها في أقرب محل لبيع الجوالات، فطبيعة العصر العجيبة تفترض أن تتعاطفوا مع الملياردير، لأنه نادر الوجود واستمرار خسائره قد تخفيه تماما من قوائم زملائه المليارديرية، أما الموظف المفصول (الكحيان) فهو يستطيع العثور على وظيفة أخرى أو (يبسط) بشاحنة بطيخ في الطريق العام ويعود مواطنا كادحا مثلما كان من قبل.
قد تكون معادلة غريبة في نظر من يحملون مشاعر وأحاسيس بشرية قديمة، ولكننا اليوم تجاوزنا هذه الطرق (المستهلكة) في الإحساس، فقد شاهدنا أكثر من شركة عملاقة تصل قيمة بعض مشاريعها إلى عشرات المليارات تلقي بموظفيها وعمالها البسطاء في الشارع في هروب علني من المسؤولية القانونية والأخلاقية ورغم ذلك لا أحد يلتفت إلى المفصولين (لأنه يمكن توفيرهم في أي وقت) وتتركز الأعين على مصير الشركة التي حصدت المليارات عبر السنين، وليس ثمة دليل على ذلك أبلغ مما قامت به شركة (سعودي أوجيه) بعد أن تخلصت من 1300 موظف في مجمع طباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة بحجة انتهاء عقدها، وأنها لن تستمر في المشروع الذي كانت مهيمنة عليه منذ سنوات طويلة، ولم تلتفت الشركة أبدا لمطالبات هؤلاء الموظفين بحقوقهم باعتبار أنها شركة (خسرانة ومسكينة)، وبينما الموظفون المفصولون يهيمون في شوارع المدينة بحثا عمن يستقبل شكواهم يتم الإعلان عن خبر جديد (نشرته «عكاظ») ملخصه أن الشركة فازت بعقد جديد لتشغيل المجمع لمدة 5 سنوات قادمة بعد فوزها على 6 شركات منافسة.. (ممتاز جدا.. إذن سيعود الموظفون المفصولون إلى أعمالهم). كل شخص منكم يفكر بهذه الطريقة لديه مشاعر قديمة، لأن الشركة وضعت إعلانا للتوظيف (في الغالب نفس الموظفين) الذين كانت وقعتهم على أوراق إخلاء طرف صورية كي يستفيدوا من نظام (ساند)، وها هي اليوم تفاوضهم بعقود جديدة ورواتب أقل!.
حدثوا مشاعركم جزاكم الله خيرا، وأتركوا عنكم الحسد وقدروا ظروف إخوانكم المليارديرية!.
التعليقات