&سمير عطا الله&

من أجل المناظرة الأولى بين هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، سهرت حتى الثالثة فجرًا لكي أشاهدها مباشرة، كما يقتضي العمل الصحافي، مع أن شخصية ترامب التلفزيونية، مثل الحقيقية، تقززني، لسبب جوهري: توتره وغضبه الدائم وسفاهته وضحالة خطابه.

المناظرة الثانية، نمت والحمد لله باكرًا، واكتفيت بقراءة العرض في «الغارديان» و«النيويوركر» على موقعيهما اليوميين.

منذ اليوم الأول للحملة الرئاسية كنت مهتمًا بظاهرة واحدة: الإنسان الذي يلهث وراء دونالد ترامب. رجل صنع ثروته وخسائره في إقامة الكازينوهات، بلا أي ماضٍ سياسي أو عمل وطني، بلا أي تاريخ في عمل الخير، بذيء، بلا خصائل، بلا أصدقاء، بلا تاريخ حزبي، وصفيق. ويتباهى بذلك.

وكنت أعتقد أن هذا الحماس لترامب سوف يزول بعدما تزول المرحلة المسرحية في الحملة، ويقف الناخبون للتفكير في حال أمّتهم. لم تكن قناعتي صارمة لأنني في العادة، أميل إلى الشك في قرار الناخب في أي بلد، باعتباره كائنًا مزاجيًا، سطحيًا، لا يؤخذ عمومًا بأي قيم أخلاقية. لكن بالنسبة إلى ترامب، كنتُ أبني أيضًا على أن الناخب لا يمكن أن يقف ضد جميع القيَم الإنسانية والأخلاق العامة مثل هذا الرجل.

ظل ترامب كاسحا. أصدرت النخب الفكرية والمؤسساتية والثقافية بيانات تعبر عن استنكارها للمستوى الذي أهبط إليه ترامب المعركة الانتخابية. لكن شعبية الرجل ظلت تتصاعد. وظل قريبًا في الاستفتاءات من منافسته، السياسية البارعة، وصاحبة الخطاب اللائق، أو الماهرة، مناقضًا بذلك جميع التوقعات.

كُشفت في المرحلة الأخيرة أكاذيب ترامب والدعاوى القانونية المقامة عليه من ضحاياه، والتسجيلات التي تُظهر مدى انفلاته الأخلاقي، ومدى ازدرائه لقوانين العائلة الأميركية، ومدى ابتذاله في التحدث عن المرأة. وخيل إلي بعد نشر الشريط الأخير، أن دونالد سوف يستيقظ في اليوم التالي ويُعلن خروجه من المعركة.

في اليوم التالي، استيقظ وشتم نقّاده. وتحدث عن مغامرات بيل كلينتون النسائية. ووجه الدعوة إلى ثلاث من النسوة اللاتي قاضين الرئيس السابق لحضور مناظرته الثانية مع هيلاري. وبعد كل ذلك، توقعتُ أن يسقط في المناظرة الثانية كما سقط في الأولى، وأن الوقت قد حان لانفضاض الناس من حوله، ولأن يشعروا بالخجل به.

ظل يلعلع، غاضبًا متوترًا، يكذب وينفي، يهاجم ويعتذر، يتهم ويتراجع. وظل موثقًا مستوى الحملة بالحضيض، وظلت معه نسبة من الناس غير معقولة في أي منطق. وكل يوم يمضي يتأكد أن المسألة الحقيقية هي الجماهير التي تقبل على نفسها المسير خلفه. إن القضية ليست ترامب، فهو فرد في نهاية الأمر. الكارثة حجم توابعه.

&&