تيريزا ماي مارجريت تاتشر

مارتن وولف من لندن

تيريزا ماي دفنت حقبة تاتشر. في عهد حكومة مؤلفة من حزب المحافظين، المملكة المتحدة تتبنى الأفكار السياسية التي تتحدث عن العدالة والتدخل الحكومي. هذا قد يميز تحولا كبيرا في السياسات البريطانية بقدر تلك التي كانت في الأربعينيات، نحو الاشتراكية، وفي الثمانينيات، بعيدا عنها.

لنتذكر أن تقرير بيفيريدج، الذي وضع الأسس الفكرية لدولة الرفاهية ما بعد الحرب، نشر في عام 1942 في ظل حكومة ائتلافية بقيادة ونستون تشرشل. بالمثل جيمس كالاهان، رئيس الوزراء من حزب العمال في ذلك الحين، وضع الأساس لحقبة تاتشر في عام 1976، عندما قال: "كنا نعتقد أن بإمكاننا الخروج من الركود عن طريق الإنفاق، وزيادة التوظيف من خلال خفض الضرائب وتعزيز الإنفاق الحكومي. أقول لكم بصراحة ذلك الخيار لم يعد موجودا".

الآن، في خطابها في مؤتمر حزب المحافظين، تجادل ماي بأنه "عندما يتعثر أحدنا، فإن غريزتنا الإنسانية الأكثر أساسية هي وضع مصلحتنا الذاتية جانبا، ومد يدنا لمساعدته على تجاوز الأمر. هذا هو السبب في أن الركيزة الأساسية لاعتقادي هي أن هناك في الحياة أكثر من النزعة الفردية والمصلحة الذاتية. نحن نشكل عائلات ومجتمعات وبلدات ومدنا وبلدانا وأمما. لدينا مسؤولية تجاه بعضنا بعضا. وأنا أعتقد بقوة أن الحكومة لديها مسؤولية أيضا".

من الواضح أن هذا رد مباشر على تصريح تاتشر الشهير: "أعتقد أننا كنا نخوض فترة حيث كثير من الناس فوق الحد كانوا يفهمون أنه إذا كانت لديهم مشكلة، فإن التعامل معها هو وظيفة الحكومة (...) إنهم يصبون مشكلتهم على المجتمع. وكما تعرفون، ليس هناك ما يسمى المجتمع. هناك رجال ونساء أفراد، وهناك عائلات". ذهبت ماي بعيدا في رفضها لتاتشر أكثر من سلفها، ديفيد كاميرون، الذي قال: "يوجد شيء يسمى المجتمع، لكنه فقط ليس مثل الدولة". في الواقع، نقلت ما قالته إليزابيث وارن، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي والناشطة من الحزب الديمقراطي، التي شددت في عام 2011 على القول: "لا أحد في هذه البلاد أصبح ثريا بجهوده الخاصة - لا أحد". نسخة ماي من هذا الرأي هي: "لا أحد، لا قطب أعمال واحدا، ولا عمل واحدا، مهما كان ثراؤه، نجح بجهوده الخاصة".

من الواضح أن الأزمة المالية، ومستويات المعيشة الراكدة التي خلفتها، قوضت شرعية نهج السوق الحرة. هذا هو السبب في أن سياسة التدخل الخاصة بماي، وليس أحلام نشطاء حملة "خروج بريطانيا" الليبراليين باعتبار المملكة المتحدة مركزا "تنافسيا، لا يخضع للتنظيم، يتعامل بالتجارة الحرة"، هي التي تهيمن الآن. بالنسبة لكثيرين هذا ما تعنيه "استعادة السيطرة". وهذا قد ينذر بتحول يدوم لفترة طويلة في السياسة البريطانية. وإذا نظرنا إلى الأحزاب السياسية الأخرى، فإن احتمال حدوث هذا يبدو مرتفعا جدا. حزب العمال، على وجه الخصوص، تحول إلى اليسار. هذا يترك مساحة تريد ماي احتلالها، مع تأكيداتها الجريئة "أننا حزب العاملين" وأن حقوق العاملين ستتم "حمايتها وتعزيزها من قبل حكومة من حزب المحافظين".

الالتزام بوضع العاملين في مجالس إدارة الشركات يشير إلى أن هذا أمر معقول. لكن هل هو قابل للتطبيق أيضا؟ هنا يجب أن نلاحظ الفروق الدقيقة في موقف ماي. فهي تجادل بأن المملكة المتحدة ينبغي أن تكون "الداعم الأقوى والأكثر حماسا للتجارة الحرة في جميع أنحاء العالم"، وفي الوقت نفسه تصر على ضرورة السيطرة على الهجرة. قابلية سياسة التدخل الجديدة تعتمد على تفاصيلها. هناك حقيقة معروفة وهي أن ازدهار المملكة المتحدة يعتمد بشكل كبير على مهارات ومعرفة الأجانب، سواء عاملين أو مستثمرين. بالنظر إلى أن المملكة المتحدة بعيدة عن القوة الاقتصادية التي يتخيلها بعضهم، فإن هذا الاعتماد سوف يستمر. بالتالي، من المهم أن لا يؤدي النهج الجديد إلى سياسات تتعلق بالهجرة والضرائب وحوكمة الشركات وفرض ضوابط على الاستثمارات الداخلة تعمل على الحد من وصول المملكة المتحدة إلى مثل هذه الموارد العالمية القيمة.

علاوة على ذلك، هذا ليس مجرد مسألة تتعلق بالحقائق، لكن أيضا بالخطاب المستخدم. كثير من الأجانب الآن يتساءلون عما إذا كانت المملكة المتحدة قد أدارت ظهرها لهم. يجب أن توضح الحكومة أن هذه ليست هي الحال. لعل أهم شرط، باستثناء الحفاظ على أكبر قدر ممكن من الوصول إلى أسواق الاتحاد الأوروبي، هو الترحيب بأي شخص أجنبي لديه مهارة مع وظيفة. بدلا من ذلك، النهج الناشط الجديد لا بد أن يركز على نقاط الضعف في المملكة المتحدة. وأهمها هي جودة البنية التحتية والتعليم وتوفير المساكن. من المهم أيضا تشجيع المنافسة وتعزيز القاعدة العلمية والتكنولوجية. إذا كانت الحكومة ستركز على هذه التحديات، وفي الوقت نفسه التأكيد على انفتاح المملكة المتحدة أمام المهارات الأجنبية والاستثمارات الأجنبية والتجارة العالمية، فإنها قد تتمكن من تقديم الديناميكية الاقتصادية التي تحتاج إليها البلاد. خطاب ماي يمثل تحولا هائلا. تأثيره يعتمد على إلى أي مدى تصبح تلك الكلمات حقيقة واقعة.