عبدالرحمن الطريري
قراءة التاريخ قراءة متأنية، وعميقة تمثل منطلقا أساسيا في فهم الحياة، وكيف تسير من خلال استقصاء الأحداث، من حيث طبيعتها، ومنشئها، والأسباب المؤثرة فيها، إضافة إلى فهم العلاقات بين الشعوب، والأمم، كيف تنشأ؟ ولماذا تقوى وتضعف؟ وكيف تحدث الخلافات والصراعات بين الأمم؟ وما من شك أن قراءة التاريخ بالشكل الجيد، وبالصورة المثلى تتطلب وعيا من قارئ التاريخ، إذ لابد من النظر بشمولية تأخذ في الاعتبار العوامل ذات العلاقة: سياسية، واقتصادية، وثقافية، واجتماعية، ودينية.
القرآن الكريم عرض، وفي مواطن عدة أحوال الأمم السابقة، وما حل بها من تحولات، وعقوبات، لما انحرفت عن المنهج السوي وآثرت الكفر بالله، ونعمه، حتى أصبحت الأمم أثرا بعدما كانت تنعم بالرخاء، والاستقرار.
العبرة تستل من التاريخ حين يكون العقل حاضرا وقادرا، ولديه الرغبة في الاستفادة من أحداثه ومتغيراته، أما إذا تم الانصراف عن التاريخ، أو تمت قراءته دون استلهام ولا رغبة في الوصول إلى العبر، فمن المؤكد أن السنين والقرون تمضي لكن ليس من المؤكد أن تمضي بالشكل السلس والمريح، بل إنها تجلب معها المآسي والقلاقل والمحن.
السيرة الذاتية لأمة، أو فرد في ثناياها كنوز من المعلومات، ذلك أن المحطات التي مرت بها الأمة أو الفرد تكشف الواقع الحقيقي في أهدافه، ومحفزاته، وطريقة تفكيره، ومقومات شخصيته كفرد، أو أمة، ومصادر التكوين التي تشكل المواجهات الأساسية، بغض النظر عن طبيعة المصادر، فلسفية، أو دينية، أو نزوات ورغبات فردية تحركها الشهوات ولا غير.
أمتنا منذ قرون وهي تعاني تسلطا خارجيا، من خلال الحروب، والاستعمار في السابق، أو من خلال الحيل السياسية والدهاء، أو باسم الهيئات والمنظمات والقوانين الدولية، بهدف الاستفادة بأقصى ما يمكن من ثرواتنا دون عائد مجز للأمة، يمكنها من الاستغناء عن الآخر متى ما لزم الأمر، وذلك من خلال إيجاد الطاقات الوطنية الكفؤة، والخبرة الكافية لإدارة مصادر الإنتاج الصناعي، والزراعي، ومشاريع التنمية، وصيانتها، ولا أدل على ذلك من ملايين العمالة التي تجوب مدننا ممسكة بكل الأنشطة المدرة لأرباح طائلة.
الغرب بتقدمه المعرفي والتقني، وبإنتاجه الوفير، وبقوته العسكرية أصبح مؤثرا أكثر وأقوى من تأثيرنا فيه، فعناصر التأثير لديه أكثر مما لدينا.
الاستعمار الخشن القائم على القوة قد يتراءى لنا أنه زال، لكن هذا الاعتقاد خاطئ من أساسه، فما ترسانات الأسلحة النووية، والجرثومية، وجميع الأسلحة الفتاكة، والمدمرة إلا للاستخدام في يوم من الأيام، متى ما استدعت الظروف حماية المصالح، حتى إن كانت المصالح من قوت الآخرين. فرنسا تصول وتجول وتتدخل قواتها في مالي، والنيجر، وليبيا، بحجة مكافحة الإرهاب، لكن عينها أيضا على اليورانيوم ومناجم الذهب، والمعادن الثمينة. أما أمريكا فلها اليد الطولى في الحروب، واستخدام القوة في بقاع الأرض، وما إبادة 100 مليون هندي أحمر، ومشاركتها في الحرب العالمية، وحرب الكوريتين، وحرب فيتنام، إضافة إلى تدخلاتها في أمريكا الجنوبية من تدبير للانقلابات، إلى دعم لفصائل على حكوماتها، وما حربها على أفغانستان، والعراق إلا فصل من فصول الاستئثار بالثروة، بغض النظر عن الأسلوب، والطريقة لأن المبدأ الذي بنيت عليه الحروب، وحدثت التدخلات (الغاية تبرر الوسيلة) وهذا المبدأ ليس مقتصرا على فترة زمنية، أو منطقة من العالم، فاللعاب يسيل للهيمنة ونهب الثروات، ومتى سال اللعاب تحركت القوة الإعلامية لتمهد الطريق للقوة العسكرية، كما فعل في العراق، فهل حان الوقت لنقرأ التاريخ قراءة متأنية وعميقة بعيدا عن الوعود، أو الأمنيات؟ نحن بحاجة إلى قراءة التاريخ لاكتشاف القوانين والسنن التي تحكم علاقات الأمم بعضها بعضا، ومتى اكتشفنا القوانين تمكنا من رسم خطط البناء المناسبة التي تمكننا من التعامل مع الآخرين بندية وتكافؤ واحترام متبادل.
التعليقات