عثمان الماجد 

كنت مثل كثيرين ممن تأثروا سلبًا بما كان يتسرب من معلومات وأخبار عن شخصية الوافد الجديد إلى البيت الأبيض، الملياردير دونالد ترامب، ومع الأيام بات هذا التأثر السلبي يتحول تدريجيًا إلى قلق من أن يتحقق حلم هذا الرجل. ولعل هذه هي حملة الانتخابات الأولى من نوعها التي وعيت على متابعتها، وأرى فيها إعلام المتنافسين يتناول فيها سلوك وأخلاقيات المرشحين من خارج سياقها العام ويركز على الشخصي منها. وأخص هنا إعلام الحزب الديمقراطي تحديدًا. وإذا كان لذلك من تفسير فهو، في ظني، أن الحزب الديمقرطي أراد وبقوة أن يشكل سابقة في أمرين وصول امرأة إلى البيت الأبيض كرئيسة، وبقاء الحزب الديمقراطي حاكمًا لفترة ثالثة على التوالي، وهو ما لم يتحقق لهذا الحزب من قبل على خلاف غريمه الجمهوري الذي نجح في ذلك أكثر من مرة.
كنت متشائمًا منذ الفترة التي فيها تكشفت بعض الحقائق عن الخلفية الثقافية والسياسية لساكن البيت الأبيض الجديد دونالد ترامب كمرشح، وعن ماهية تعاطيه مع كثير من القضايا الإنسانية قبل السياسية والتي قد صنفها في جلها إعلام منافسته هيلاري كلينتون على أنها نابعة من عنصرية تجاه بعض الأقليات وتجاه المرأة، وكنت دائما حاملا القلق على مستقبل بلدان مجلس التعاون التي توعدها في أكثر من مقام بالابتزاز المالي نظير ما أسماه بـ «توفير الأمن» لها. حالة التشاؤم هذه بنيت على معطيات دفعت بها آلة الإعلام الأمريكية التي تعرف اليوم يأنها الأكبر والأقدر على توجيه الرأي العام وعلى بناء قناعات جديدة تسهل تسريب مقاصد النخب السياسية في المجتمع الأمريكي وفي العالم.
غير أن حالة التشاؤم هذه والقلق المشار إليهما أعلاه لم يكونا كافيين ليعطيا المرشحة هيلاري كلنتون أفضلية على دونالد ترامب بأي حال من الأحوال، بل على العكس فقد كان لوضوح ترامب في التعبير عن آرائه أفضلية على كلينتون. فالأول بوضوح خطابه لم يكن مدعاة للريبة خاصة لدى المواطنين العرب الملدوغين بالسياسة الأمريكية الخارجية أكثر من مرة، فهو بتعبيره الواضح عما قدر أن يكون واجب الوقوع سطر لنا خطوط دفاعنا الممكنة ونبهنا ببراغماتية الأمريكان إلى أن عالم السياسة الدولية لا تحكمه العواطف، أما الثانية فمخلفات «ربيعها العربي» من دماء ودموع لم تجف بعد، وهي لم تجعل المواطن العربي يأمن نواياها الشريرة إزاء منطقة الشرق الأوسط، لأنها ببساطة لن تكون الاستثناء بالنسبة إلى ما مارسه الرئيس المنقضية فترة رئاسته على صعيد السياسة مع البلدان العربية خاصة بالمراهنة على الإسلام السياسي باعتباره البديل الأمريكي المفضل لما اكتشفته أمريكا فجأة من ضرورة استبدال حلفاء جدد بأصدقاء الماضي في شطحة فتت ليبيا واليمن وطلبت منظومة دول الخليج العربية عبر بوابة البحرين لولا أن قيض الله لمملكتنا من إخوانها حليفا تكسرت على دروع تآلفه لفحات كلينتون ورئيسها أوباما ونصال الغدر الإيرانية. ممارسات كلينتون بصفتها وزيرة للخارجية في فترة سابقة من ولاية أوباما الثانية جعلتها معه ثنائيًا لا هم له إلا العمل على تغيير أنظمة دول عربية كثيرة طلبًا لهيمنة مباشرة على منابع الطاقة قد تقطع الطريق أمام المارد الصيني الذي بدأت ملامح تطاوله على المصالح الأمريكية تتضح هنا وهناك، فلم يجدا من سبيل غير استهداف أمن واستقرار دول مجلس التعاون رغم العلاقات التاريخية المميزة التي ربطت بلادهما بدول مجلس التعاون.
لكن اليوم، وبعد أن أفصحت نتائج الانتخابات عن نفسها، وصار معروفًا أن ساكن البيت الأبيض الجديد هو دونالد ترامب، وبدا واضحًا الفارق الكبير في الأصوات بين المرشحين، وهو فارق مدهش سفه كل التقديرات التي كانت ترجح كفة المرشحة الديمقراطية، فإن ذلك لا يعني أني سأغير موقفي السابق لأصبح متفائلاً إلى الحد الذي فيه أبني على هذا الإعلام آمالاً تنتشلني من حالة اللااتزان التي وضعتنا فيها كعرب إدارة الرئيس باراك أوباما على مدى السنوات الثمان التي كانت غنية بصنوف شتى من القهر للحكومات والشعوب العربية. ما أعيشه الآن حالة من البين بين، بين التفاؤل والتشاؤم، حالة أحكم الروائي إميل حبيبي وصفها حين نحت لها مفردة التشاؤل. التشاؤل عزيزي القارئ هو أصدق وصف لما يختمر بداخلي من مواقف وانفعالات حد الساعة إزاء ما أفرزته وقائع الانتخابات الأمريكية، على الرغم من أني في العادة كثير التفاؤل بتغير الأحوال في الغضون إذا ما توافرت الظروف الموضوعية لذلك.
المهم، وببراغماتية الأمريكيين، علينا أن نقتنع أن حكومات دول العالم بعد ستة أسابيع تقريبًا ستكون مجبرة على تقديم عبارة «فخامة الرئيس» أمام اسم دونالد ترامب، وعلينا أن نتذكر أن ما بين الحملة الانتخابية وممارسة الحكم فروقًا، وأن سياسة ترامب الحقيقية ستتضح ملامحها في الخطاب الرسمي الذي سيتوجه به إلى الأمة الأمريكية بمناسبة تسلمه مفاتيح البيت الأبيض في العشرين من يناير القادم، ولهذا ينبغي علينا أولاً قبول هذا الواقع، وعلينا ثانيًا إقناع أنفسنا بأن فترة الرئيس الآفل هي الأسوأ في تاريخ علاقات الولايات المتحدة الأمريكية بدول مجلس التعاون، وعلينا ثالثًا أن نشرع في العمل على تغيير الصورة التي رسمتها الإدارة السابقة عن دول الخليج العربية، خصوصًا وأن دونالد ترامب لم تعرف عنه من قبل مواقف عدائية إزاء العرب، بل إن له من العرب الأمريكان عناصر نوعية ساهمت في نجاح مساعيه لبلوغ البيت الأبيض بنسب قياسية. وعلينا رابعًا ألا ننسى أن الرئيس وصل إلى البيت الأبيض ممثلاً عن الحزب الجمهوري، وعلاقات الحزب الدجمهوري مع بلدان مجلس التعاون دائمًا كانت مستقرة.
علينا أن نعلم بأننا اليوم نتعامل مع رئيس أقوى دولة عرفها تاريخ البشرية، وأن هذا الرئيس بحكم نتائج الانتخابات التشريعية صاحب سلطان مطلق في الولايات المتحدة الأمريكية، وأننا لا نتعامل مع مجرد رجل أعمال مترشح إلى منصب الرئيس في هذه الدولة. علينا باختصار شديد أن نكون موجهين لسياسات الرئيس الجديد بما يخدم مصالحنا الاستراتيجية والحيوية، لا منفعلين منتظرين ما يفعله غيرنا لنرد الفعل. وشيء آخر، وليس أخير، نيبغي علينا أن نمارسه بلا هوادة، وهو أن نسهم بسخاء في الدفاع عن سمعة بلدان مجلس التعاون، التي لطخها الإعلام الإيراني الذي يسجل حضورًا مكثفًا في الساحة الأمريكية منذ توقيع الاتفاق النووي، لتغيير فكرة تصدير هذه البلدان الإرهاب. نجحت إيران، إلى حد ما، مع كثير من وسائل الإعلام الأمريكية في جعل تصدير الإرهاب بضاعة رائجة يبنى عليها بهدف ضرب الصداقة العربية الأمريكية التاريخية، وقد حان الوقت لنضع نهاية لهذا النجاح. كل هذه الحقائق والوقائع ينبغي أن توضع في الحسبان في التعامل مع الرئيس الأمريكي الجديد.