وديع عواودة

يفترض أن تتداول حكومة الاحتلال في جلستها الأسبوعية اليوم الأحد مشروع قانون حظر الأذان بعدما تم تأجيلة قبل أيام بسبب معارضته المفاجئة من قبل حزبي اليهود المتزمتين»شاس» و «يهودوت هتوراة». وكان مشروع القانون قد طرح في الماضي لحظر الأذان في القدس المحتلة بالأساس وهذه المرة تم تعميمه على كل البلاد ويقوده رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بنفسه. في تسويغه لمشروع القانون الخطير قال نتنياهو إنه قانون بيئي يأتي لحماية الجمهور من الضجيج بعد تلقيه مئات الشكاوى من مواطنين ينتمون لكل الديانات. وما لبث أن تم تسريب نبأ للصحافة قبل يومين مفاده أن نتنياهو قدم مشروع القانون بناء على طلب ابنه يائير، الذي يزعجه صوت المؤذن في بلدة جسر الزرقاء داخل أراضي 48 المحاذية لمدينة قيسارية حيث المنزل الخاص لرئيس الوزراء. ويبدو أن الهدف المعلن في الحالتين لا يمت بصلة للدافع الحقيقي الذي يهدف نتنياهو من ورائه اصطياد عصفورين بحجر واحد حتى وأن حمل في طياته مخاطر إشعال حرب دينية. لم تكن صدفة أن الإعلان عن مشروع قانون حظر الأذان قد تزامن مع مشروع قانون «التسوية» لتشريع مستوطنة عموناة حيث إن نتنياهو لم يكن معنيا المساس بالمحكمة العليا بهذه الفظاظة من خلال تشريع قانون يبيض مستوطنة صدر بها أمر هدم قضائي من المحكمة العليا لكنه اضطر لذلك بسبب ضغوط حزب «البيت اليهودي» المشارك في الحكومة والمنافس للحزب الحاكم «الليكود» لا سيما بعدما هدد بعدم التصويت لجانب الميزانية في بحال عدم المصادقة على قانون مستوطنة عمونا. ويرغب نتنياهو من وراء ذلك الظهور بصورة اليميني المتشدد كي يحرم منافسه رئيس حزب «البيت اليهودي» وزير التعليم نفتالي بينيت من نقاط سياسية في أوساط اليمين. كذلك يندرج هذا المشروع ضمن مخطط نتنياهو لتحريض اليهود على العرب وتأجيج الصراع القومي على طرفي الخط الأخضر وإضفاء الصبغة الدينية على الصراع ضمن استراتيجيته السياسية للبقاء في سدة الحكم. وتدلل تجارب الماضي أن نتنياهو يصل لقمة السلطة على جناحي خطاب الكراهية والترهيب ودغدغة العواطف القومية والدينية خاصة حينما يتعلق الموضوع بالقدس وبالحرم القدسي وبصوت المآذن فيها وببقية الديار. ويؤسس نتنياهو استراتيجيته هذه للتغييرات الكبيرة التي تشهدها إسرائيل في السنوات الأخيرة حيث يزداد عدد الإسرائيليين المتدينين واتساع نفوذهم ربما كما هو حاصل في بقية أرجاء المعمورة بشكل عام حيث هناك ظاهرة العودة للدين. نتنياهو المسكون بهاجس البقاء السياسي لا يفوت فرصة لاستثمار هذه التيارات الجديدة في إسرائيل لصالحه دون الاكتراث بخطورة تحول الصراع على الأرض لصراع ديني يحرق الأخضر واليابس لا سيما أن مشروع القانون يثير حالة سخط واحتقان كبيرة لدى فلسطينيي الداخل.

والمفارقة أن من تحفظ على مشروع قانون حظر الأذان وحال دون المصادقة عليه الأسبوع الماضي حزبان يهوديان دينيان أعلنا عدم دعمهما له لأنه يهدد بالمساس بصوت صافرة السبت وربما نتيجة تحركات واتصالات من قبل نواب القائمة العربية المشتركة. وقد استأنف ليتسمان ضد هذا القانون بسبب التخوف من المس بالنشاط الديني اليهودي في إسرائيل، ومن بين ذلك، تفعيل صافرات الانذار التي تعلن عن دخول السبت في بلدات مختلفة. وكتب ليتسمان: «طوال آلاف السنين، استخدمت في تقاليد إسرائيل أدوات مختلفة لهذا العمل، من بينها البوق والقرن. ومع تطور التكنولوجيا أصبحت تستخدم مكبرات الصوت للإعلان عن دخول السبت بقوة الصوت المسموح به حسب القانون». وأشار إلى ان القانون المقترح قد يمس بالوضع الراهن، وطلب اجراء نقاش آخر حول الموضوع قبل طرحه للتصويت في الكنيست.ويبقى امتحان هذه الموقف بالتصويت مجددا على مشروع القانون اليوم الأحد إذ ليس من المستبعد أن يقوم نتنياهو بطمأنة هذين الحزبين بكل ما يتعلق بصفارة السبت كي يضمن موافقتهم على حظر الأذان وربما يكشف لهم عن رؤيته بأنه يستهدف القدس أولا وهي مدينة تهمهم جدا ويحرصون هم أيضا على طابعها اليهودي. ومشروع القانون هذا ليس بيئيا ولا علاقة له بمصلحة الجمهور بل مشروع سياسي عنصري يرتبط بمآرب نتنياهو السلطوية وبالصراع على الرواية والهوية. والدليل على ذلك ما كان قد أشار إليه وزير الداخلية رئيس حزب «شاس» ارييه درعي الذي قال إنه لا حاجة إلى قانون المؤذن، لافتا انه حسب قانون الأضرار والنظم يمكن وقف أي إزعاج يمس بالبيئة. وتابع «المشكلة تكمن في تطبيق القانون، خاصة وانه يمكن للقانون المقترح المس بالإعلان عبر المكبرات عن دخول السبت». نتنياهو بمشروع القانون هذا انما يحاول مغازلة جمهور ناخبيه في اليمين المتطرف من خلال طرح قانون سيئ وزائد لا يهدف إلا لملاحقة الأقلية العربية الفلسطينية والتحريض عليها. لكنه لا يكتفي بذلك فالأجواء الناجمة عن مجرد طرح مشروع القانون تصب الماء على سياساته وتوجهاته المعادية للتسوية وللسلام من خلال اللعب بالمادة المشحونة هذه فهو يعلم أهمية الأذان بالنسبة للفلسطينيين ويعي بالضبط السجال الكبير المترتب عليه لاسيما الأجواء الموتورة التي تمنحه دفيئة له ولتطلعاته السياسية. وتجلى ذلك قبل مشروع القانون بعدة وجوه أبرزها مشروع صامت لتقاسم الأقصى من خلال السماح للمستوطنين واليهود بالصلاة في الحرم القدسي الشريف وتشجيع كل من يطالب بالتقاسم المكاني والزمني للمكان الذي أكدت إسلاميته منظمة اليونسكو الشهر الماضي. وتبقى الأصوات الإسرائيلية التي تعتبر تحويل الصراع الديني عبثا ببرميل بارود وصوتا في البرية وغير مسموع مما ينذر بالمزيد من مخاطر انفجار ربما يكون أخطر من كل ما حصل حتى الآن بما في ذلك الانتفاضة الثانية وربما هو مقدمة لحرب دينية لا تأكل اليابس فقط.