مأمون فندي
في 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2016، حل أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح البرلمان، وأعطى لذلك سببين؛ أولهما الخلل في العمل النيابي، والثاني هو التحديات الأمنية الإقليمية المحيطة، ودعا الشعب الكويتي لانتخاب برلمان جديد، وهذا ما شهدته الكويت أول من أمس السبت 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2016. ولحسن الحظ، فإني دعيت لمشاهدة هذه التجربة التي يمكن أن يطلق عليها تجربة التغيير، من حيث نوعية أعضاء البرلمان وجنسهم وأعمارهم، فهل تأتي النتائج بالتغيير المنشود الذي يأخذ في الاعتبار التحديات الأمنية التي تواجه الكويت في إقليم مضطرب، خصوصًا أن تجربة احتلال الكويت عام 1990 ما زالت تسيطر على عقول العقلاء في الكويت، وليس الجدل العقيم الذي أدى إلى حل برلمان 2013؟
كان واضحًا، من خلال الحديث إلى كثير من الناخبين في الدوائر الانتخابية المختلفة، أن المواطن الكويتي راقب بكثير من الوعي ممارسات نواب برلمان 2013 التي كانت دون المستوى المنشود في مواجهة التحديات الاقتصادية، خصوصًا بعد انخفاض أسعار النفط، وكذلك نقص الحكمة في فهم طبيعة التحديات الأمنية المحيطة بالكويت في إقليم شديد الاضطراب. ولحظات الاضطراب الإقليمي، أو تبعاتها في الثمانينات من القرن الفائت، هي التي أدت إلى احتلال الكويت في أغسطس (آب) عام 1990.
خرج قرابة نصف المليون كويتي للتصويت في انتخابات شهدت إقبالاً كبيرًا وصل في بعض الدوائر إلى 80 في المائة، ليختار الكويتيون 50 عضوًا لبرلمان 2016 من 5 دوائر انتخابية. وقد تنافس في هذه الانتخابات الحارة 293 مرشحًا، من بينهم 14 امرأة، وكان حضور المرأة والشباب واضحًا، وربما من هنا يأتي التغيير. ليس متوقعًا فوز كبير للمرأة، ولكن فرص الشباب تبدو أفضل من المرأة في الوصول إلى قبة البرلمان. قد تصل إلى القبة السيدة صفاء الهاشم، ومعها واحدة أو اثنتان، ولكن فرص المرأة محدودة، وربما في البرلمانات المقبلة تحدد الحكومة كوتة للمرأة، خصوصًا أن دخول المرأة للبرلمان جاء برغبة أميرية في السابق، وقد تأتي كوتة المرأة برغبة أميرية أيضًا. ورغم أن المرأة لن تصل إلى البرلمان بعدد لافت، فإن أصوات المرأة وحضورها كان كبيرًا في التصويت، ولكن الشباب قد يمثل بنسبة أفضل، خصوصًا في حالة أحمد نبيل الفضل ذي الطرح الشبابي المختلف الذي يحل محل والده المرحوم نبيل الفضل الذي كان برلمانيًا جيدًا.
النقطة التي أركز عليها هنا هي مسألة التغيير، ولكن هناك قيادات لن تتغير، خصوصًا رئيس المجلس السابق مرزوق الغانم الذي يعتبر برلمانيًا جيدًا. ولكن لو حضرت حملته الانتخابية والمبالغ التي أنفقها، فإن هذه الأموال قد تجعله «سيناتورًا» في ولاية فيرجينيا، وليس عضو برلمان في الكويت. وهذا في اعتقادي قد يفرض على حكومة الكويت في المستقبل وضع سقف للإنفاق على الحملات الانتخابية. ومع ذلك، يبقى مرزوق الغانم صوتًا معتدلاً، ولكن يقابله صوت شيعي متطرف أقرب إلى جماعة حزب الله، تشير المؤشرات إلى فوزه بأصوات الشيعة الذين يميلون إلى التطرف. أما الشيعة المعتدلون من نوعية صلاح خورشيد أو بهبهاني، فقد يفوزون بأرقام محدودة تصل إلى نصف أصوات المرشح المتطرف، وقد لا يفوزون، وهذا يعيدنا إلى سؤال سبب حل البرلمان، المتمثل في الظروف الأمنية المضطربة إقليميًا.
ويبقى التيار السلفي وتيار الإخوان المسلمين. وبينما يميل السلف للحكومة، فإن الإخوان المسلمين ما زالوا كتلة لا يستهان بها. ومع ذلك، قد تتقلص نتيجتها هذه المرة.
بظهور هذا المقال يوم الاثنين، ربما تكون قد اكتملت نتائج الانتخابات، والانتهاء من الطعون، وسيكون العنوان هو التغيير، وقد يكون تغييرًا ليس كاسحًا، ولكنه أيضًا لن يكون تغييرًا محدودًا.
كان واضحًا في هذه الانتخابات أن الناخب الكويتي مدرك للأخطار المحيطة، ومدرك أيضًا لحالة الانقسام الطائفي في الإقليم. وإذا كان الخطر قد جاء للكويت من الدول في القرن الماضي، خصوصًا عراق صدام، فإن الخطر اليوم يأتي من الحركات العابرة للقوميات، مثل الصراع السني الشيعي، أو الجماعات ذات الولاءات خارج الحدود، مثل جماعة الإخوان.
ومع ذلك، لم أشهد في الكويت إحساسًا كبيرًا بما حدث في أميركا، وأن دونالد ترامب ذكر الكويت في دعايته سبع مرات، ولم تكن إيجابية، فإذا كان هناك وعي، فإن هناك وعيًا بالخطر الإقليمي، ولكن ليس بالدولي، إلا في دوائر النخبة الضيقة.
وتبقى الكويت، رغم طول التجربة الديمقراطية، إلا أنه لا يمكن أن نأتي بسويسريين كي ينتخبوا في الكويت، الذي صوت هو المجتمع الكويتي، بكل تناقضاته الطائفية والقبلية، مجتمع ذو رؤية محافظة تجاه المرأة. والبرلمان الذي سوف نراه يعكس المجتمع الكويتي بصدق، فقد كانت الانتخابات نزيهة تمامًا إلا من شبهة المال السياسي. وتحديات الكويت ليست في خفض سعر المحروقات، بل التهديدات الإقليمية، وإذا لم يدرك هذا البرلمان خطورة الوضع، واستمر في «الجدل العقيم»، فسيكون مصيره الحل كسابقه.
التعليقات