سمير عطا الله
لجأ الشيخ الحلبي عبد الرحمن الكواكبي إلى مصر مع من نجا من أحرار العرب في تلك المرحلة، ورأى في صحفها منبرًا لأفكاره المعادية للاستبداد والظلم الاجتماعي. لكن على الرغم من وجوده بعيدًا في مصر، ظل خائفًا، فنشر مقالاته بتوقيع «الرحالة ك» في صحيفة «المؤيد»، ثم عاد وجمعها في أحد أشهر الكتب العربية عبر العقود، تحت العنوان التالي: «طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، وهي كلمة حق وصيحة في واد/ إن ذهبت اليوم مع الريح/ قد تذهب غدًا بالأوتاد».
دخل الكتاب الذاكرة العربية، تحت عنوانه المختصر «طبائع الاستبداد». وتحول مرجعًا مع تحوّل الأزمان وبقاء الاستبداد في دول كثيرة. وكان يقول: «الحق أبو البشر والحرية أمهم». وقال إن المستبد ترتعد فرائصه من «علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وسياسة المدنية، والتاريخ المفصل والخطابة الأدبية، وغيرها من العلوم الممزقة للغيوم والمحرقة للرؤوس».
ويحذر الكواكبي من أية دعاوى إصلاحية يرددها بعض أعوان المستبد «فالحكومة المستبدة، تكون طبعًا مستبدة في كل فروعها، من المستبد الأعظم إلى الشرطي إلى الفرّاش إلى كنّاس الشوارع. وبناء عليه، لا يغتر أحد من العقلاء بما يتشدق به الوزراء والقواد من الإنكار على الاستبداد والتفلسف بالإصلاح وإن تلهفوا وإن نافقوا.. فكل رجال عهد الاستبداد لا خلق لهم، ولا حميّة فيهم، ولا يرجى منهم خير مطلقًا».
ويذهب مذهب القسوة الذي اتخذه كثيرون من مفكري المرحلة في مصر، وبينهم، أو في طليعتهم، العلمانيون اللبنانيون مثل شبلي شميّل، وفرح أنطون، وغيرهما ممن قالوا إن البقاء للأقوى، ولا مكان للضعفاء على الأرض. أما هو فيقول «إن من لا يصلح لوظيفة، أو لا يقوم بما يصلح له، بل يريد أن يعيش عالة على العاملين، لا عن عجز طبيعي، فإنه حقير يستحق الموت، لا الشفقة».
وقد تأثر الكواكبي خلال إقامته في باريس بما سماه «الاشتراك»، أي الاشتراكية. وكان يشير إلى الجماهير بـ«العوام». لكنه كان يرد كل نزعاته الفكرية إلى الإسلام. لكن الدكتور رفعت السيد يعتبر أن الكواكبي ومجموعة من اللبنانيين كانوا آباء الفكر الاشتراكي في مصر. ويضيف، بين هؤلاء الشاعر الثري ولي الدين يكن. كما ينسب إلى المهاجر رفيق جبور أنه أول من أسس الحركة العمالية.
التعليقات