&أثير بين الساسة وفي أروقة علم جديد ظهر بعد 11 سبتمبر يسمى علم الإرهاب
«داعش» دموي أم عدمي؟ .. سؤال جدلي أشغل واشنطن عن مكافحته
&نداء أبوعلي &
&
إن امتداد التطرف والسموم الإرهابية التي تشكل خطرا عالميا دفع بالمجتمع الدولي إلى الارتباك في الخطابات الرسمية، وفي تحليلها بدءا بمسمياتها واستمرارا بفلسفتها وتوجهاتها وأهدافها.
&
على الرغم من أن علم الإرهاب ليس جديدا، إلا أنه كان يعد علما يحمل ملامح تجمع ما بين العلوم السياسية والدراسات الأمنية العسكرية، ولم يعامل كعلم مستقل وحيوي إلا بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، إذ ازدهر هذا العلم بعد ذلك التاريخ. فأغلب الدراسات في مجال مكافحة الإرهاب تم نشرها بعد عام 2001، الأمر الذي يجعل إدراك وفهم الجماعات الإرهابية غير متعمق ويحمل عديدا من الهفوات، بالأخص نتيجة صعوبة الوصول والدخول إلى المجتمعات السرية للجماعات المتطرفة التي تنتعش مراكزها في الدول التي تنعدم السيطرة على أراضيها.
&
تخبط المسمى
&
امتدت التغيرات في اختيار المسمى الأدق "داعش"، بدءا بمسمى “ISIS”. ومن ثم إجماع عدد كبير من المسؤولين السياسيين على تغيير ذلك المنحى واختيار "داعش".
&
وقد اتخذ كل من السلطات الأمريكية والبريطانية والفرنسية، قرار اختيار مسمى "داعش" ، لدحض شرعية هذا التنظيم، والابتعاد عن ربط الإسلام بالممارسات الوحشية له.
&
من جهة أخرى، يظهر تخبط في تحليل الفكر الداعشي، وقد يتجاوز ذلك إدراك المجتمع الدولي من قبل بفكر القاعدة، التي كانت تحمل أهدافا واضحة، وتستغل القنوات الإعلامية التقليدية للإعلان عن خطاباتها وقراراتها. "داعش" باتت تستهدف الوصول إلى أكبر عدد من المتعاطفين والقابلين للانضمام على الساحة الدولية، أكثر من كونها ترسل خطابات تهديدية عامة من قادتها لقادة العالم لتخويفهم، كما كان يحدث عبر قادة القاعدة كأسامة بن لادن وأيمن الظواهري.
&
من التساؤلات التي ظهرت في الآونة الأخيرة، أسباب وصف عدد من المسؤولين السياسيين تنظيم داعش بتبنيه الفلسفة العدمية. ما يثير رغبة حول معرفة سمات الشبه بين العدمية والفكر الداعشي، الذي يجمع فئة من الراغبين في تدمير وسحق كل ما حولهم، مع وجود تساؤل إن كان هناك احتمال تبنيهم فلسفة انعدام الثقة بكل ما حولهم في بيئتهم الطبيعية الأولى قبل خروجهم عنها من مجتمع ومحيط يشعرون بعدم الانتماء له، ما يبعث فيهم الرغبة التدميرية.
&
يظهر تكرار واضح لربط البيت الأبيض للتوجه الفكري لـ"داعش" والعدمية، في عدة تصريحات للرئيس الأمريكي أوباما وصف أيديولوجية "داعش"، "العدمية المتطرفة"، فيما ذكرت هيلاري كلينتون في عدة مناسبات مناظرة للحزب الديمقراطي أثارت لغطا وانتقادا "بأن داعش يتصف بشيء من الهمجية والعدمية." فيما وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري داعش: "لا شيء سوى نوع من الفوضى الإجرامية، والعدمية بصورة غير قانونية مع ادعاء وجود أساس فكري وديني".
&
إلا أن التوجه نحو ذلك الربط لم يكن مقتصرا على الديمقراطيين والبيت الأبيض. ففي أعقاب الهجمات على "تشارلي إبدو"، وصفت صحيفة "الفاتيكان" بأن خلف هذه "الأعمال غير الإنسانية"، عدمية غير معلنة، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال ذلك التمجيد للانتحار والدافع القوي نحو الموت".
&
عبدة القتل
&
في مقال لجانيت دايلي في صحيفة "التيليجراف" البريطانية بعنوان: "هجمات باريس الإرهابية: الغرب في حرب ضد عبدة القتل- لا بد لنا أن نتكاتف معا لمحاربته"، وصفت "داعش" بأنه: "في الإرهاب نحن نواجه جنونا عنيفا ومعديا لدرجة كبيرة، ويؤمن بأن قتل المدنيين عمل أخلاقي." فيما وصفت الأعمال الإرهابية لـ"داعش": "إنها تلك الحماسة، وذلك الشعور اللحظي بالسلطة المطلقة للرعب الفوضوي".
&
وفيما تتكاثر تلك التوصيفات لـ"داعش" كونه يغرق في عدمية مطلقة دونما هدف محدد، تتكالب الانتقادات على ذلك الوصف لفلسفة تعد انتماء للقرن التاسع عشر من التاريخ الأوروبي الأقرب عن بيئة شرق أوسطية، بالأخص كون "داعش" يتبنى فكرا يعد تطرفا دينيا شموليا، تدحضه الفلسفة العدمية الأميل إلى إنكار الدين.
&
من جهته، يستنكر مارك دوري في منتدى الشرق الأوسط، ربط "داعش" بالعدمية، كون أعضاء "داعش" قد كرسوا حياتهم للقتل والعنف دون خوف من الموت. "إن ذلك لا علاقة له بالعدمية، التي هي قناعة بأنه ليست هناك قيم، ولا ولاء لأي شيء، ولا هدف من الحياة. فإن مقاتلي "داعش" لديهم ولاء واضح وأهداف واضحة، قد يستغلق فهمها على هؤلاء في أوروبا".
&
فيما يعترض مارتن كاتلن على ذلك الوصف في مقاله الذي نشر في معهد ألترنت الإلكتروني بعنوان: "الجهادية ليست بالعدمية: ما يفهم من قبل الجميع بصفة خاطئة بخصوص داعش." يذكر كاتلن: "قد يعتقد الديمقراطيون أن تسمية أيديولوجية "داعش" بالعدمية أو الفوضى الجنائية أو الهمجية، يفصل معتقدهم عن إرهابهم. وهذا يعد تفكيرا تواقا لذلك. "العدمية" تنتمي للسرد الغربي..." الأمر الذي حدا بعدد من المغردين العاديين لمناقشة هذا الجدل، وربطه بتورط الحكومة الأمريكية بجهل وقلة إدراك لـ"داعش" والتنظيمات الإرهابية، كإحدى التغريدات في صفحة الممثل الأمريكي سكوت كليفتون: "إذا كانت "يعني هيلاري" تعتقد أن الإرهابيين هم عدميون بلا هدف فإن من الأفضل لنا التفكير مرتين قبل انتخابها كرئيس".
&
وفيما تنحو الفلسفة العدمية إلى أن العالم كله بما في ذلك وجود الإنسان، عديم القيمة وخال من أي مضمون أو معنى حقيقي، تركز الجماعات الإرهابية كـ"داعش" على التدمير العشوائي بهدف التخريب، وقد لا يستهدف مناطق معينة مما يكتنفها "أهل الكفر" كما يطلقون عليهم، أو تركيز فقط على منطقة الشرق الأوسط حيث الأزمات الأمنية والسياسية أخيرا، وإنما تتقاطع الهجمات ما بين أوروبا كهجمات فرنسا، وفي الآن وقته تهديدات وهجمات على دول مسلمة كماليزيا وتركيا وباكستان وإندونيسيا أخيرا. هناك تخبط في الهجمات وفي التوجهات سواء كانت ذات ميول عدمية تدميرية أو فاشية دموية، إلا أنها تحمل قدرة على التأثير في الآخرين، والإعمال في الشغب والعنف والقتل. ولا بد من إدراك أعمق لماهيتها وطرقها من قبل المجتمع الدولي ككل للتمكن من القضاء عليها.
&
&
&
التعليقات