جديون راشمان &&

في ترجمته المُسلية للغاية عن ونستون تشرشل، يُلاحظ بوريس جونسون أن "جميع السياسيين يُقامرون بالأحداث إلى حد ما. إنهم يحاولون توقّع ما سيحدث، من أجل أن يضعوا أنفسهم على الجانب الصحيح من التاريخ". وحتى أن جونسون يُفسّر، في هذا الضوء الساخر، قرار بطله الخاص بقيادة حملة ضد هتلر في أوائل الثلاثينيات ويقول إن تشرشل "راهن بكل أمواله على حصان يُسمى مناهضة النازية (...) وتحقّق رهانه بطريقة مذهلة".&

فكّرت في هذه الفقرة عندما سمعت أن جونسون سيدعم حملة المغادرة - قبل استفتاء بريطانيا على عضوية الاتحاد الأوروبي المُقرر إجراؤه في 23 حزيران (يونيو).&

راهن جونسون على حصان يُسمى مناهضة الاتحاد الأوروبي. ومن الواضح أنه يأمل أن رهانه أيضاً سوف "يتحقّق بطريقة مذهلة" ويضعه، مثل تشرشل، على طول الطريق إلى مبنى رئاسة الوزراء - ويُفضَّل أن يكون ذلك دون المكافأة الإضافية لحرب عالمية.&

قرار عمدة لندن بالتأكيد يعد لحظة مهمة في حملة الاستفتاء. مجموعة التصويت الداعية إلى المغادرة، التي كانت في خطر أن يتم قيادتها من قِبل مهووسين وأناس نكرات تتجاوز أعمارهم 80 عاماً، سيترأسها الآن واحد من السياسيين الأكثر شعبية في البلاد.

&ويُمكن أن يكون شهر حزيران (يونيو) أيضاً وقتا ملائما بشكل خاص لتقديم الحجة ضد الاتحاد الأوروبي. بحلول ذلك الوقت، ربما ستكون أزمة الديون اليونانية قد اندلعت مرة أخرى. ومن المرجح أيضاً أن تكون أزمة المهاجرين في أوروبا قد تفاقمت، لأن تحسّن الطقس سيزيد من أعداد اللاجئين المحتملين الذين يعبرون البحر الأبيض المتوسط. وهذا سيزيد من الاقتتال الداخلي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، ما يجعل المنظمة تبدو مضطربة وفوضوية أكثر من أي وقت مضى.

&رؤية مئات الآلاف من المهاجرين المحتملين اليائسين على مسافة ليست بعيدة جداً عن القناة الإنجليزية ستكون مناسبة أيضاً بشكل مباشر للحجة الأكثر انفعالاً، التي سوف تستغلها حملة المغادرة: الخوف من الهجرة الجماعية من أوروبا والمطالبة بإيقاف حرية تنقل القادمين من بلدان الاتحاد الأوروبي.&

رؤية الصعوبات المُحتمل أن تكون فاصلة، التي يواجهها الاتحاد الأوروبي، ربما تكون قد دفعت جونسون لمحاولة "وضع نفسه على الجانب الصحيح من التاريخ"، من خلال المراهنة ضد أوروبا.&

لكن هناك أكثر من طريقة لنكون على الجانب الصحيح من التاريخ. الأولى هي ببساطة توقّع اتجاه الأحداث. الطريقة الثانية، والأهم، هي الانحياز إلى القضايا والقيم الصحيحة - تلك التي ستؤكدها كتب التاريخ في نهاية المطاف. قرار تشرشل معارضة استرضاء هتلر كان صحيحاً بكلا المفهومين. لقد رأى كيف كانت الأحداث تتكشف - ونعم، في نهاية المطاف استفاد سياسياً من وجوده. لكنه أيضاً وقف ضد الشر.&

قرار جونسون دعم حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ربما يضعه على الجانب الصحيح من التاريخ، لكن وفقا للمفهوم الأول والأضيق من توقّع اتجاه الأحداث. بالتأكيد الاتحاد الأوروبي في حالة من الفوضى المُحزنة في الوقت الراهن. وهناك أيضاً حملة شعبوية قوية مناهضة للمؤسسة ومناهضة للهجرة في كل من الولايات المتحدة وأوروبا يُمكن أن تُترجم بسهولة إلى تصويت البريطانيين لمصلحة مغادرة الاتحاد الأوروبي. لذلك الرهان ضد الاتحاد الأوروبي يُمكن أن يسمح لعمدة لندن بأن يربح بعض المكاسب السياسية.&

لكن جونسون على الجانب الخطأ من التاريخ بالمفهوم الأكثر أهمية، لأنه ينحاز إلى بعض القوى الأكثر خبثاً في أوروبا وبريطانيا. في كل أنحاء أوروبا، اليمين المتطرف واليسار المتطرف هما اللذان يدعوان إلى دمار الاتحاد الأوروبي - وسوف يهتفون مَرَحا بأعلى صوت في حال صوّتت بريطانيا لمصلحة المغادرة. على حدود الاتحاد الأوروبي، فلاديمير بوتين يرى بروكسل العدو اللدود - ويكره بشكل كبير العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على روسيا بعد ضمها لشبه جزيرة القرم. سوف يشعر الرئيس الروسي بالسرور ويُصبح أكثر جرأة مع ظهور أي علامة على تفكك الاتحاد الأوروبي.&

من خلال عدم تقدير السياق الدولي الأوسع لتصرّفاته، جونسون يتبع مسارا ليس على غرار تشرشل بشكل واضح. كان تشرشل تماماً على عكس ليتل إنجلاندر - الشخص الذي يُعارض أي سياسة دولية لبريطانيا. ولهذا السبب فهم بسرعة ما يُمكن أن يعنيه صعود هتلر بالنسبة لبريطانيا وأوروبا والعالم. ولهذا السبب أيضاً كان واحدا من أوائل السياسيين الذين يفهمون أهمية تصرّفات الاتحاد السوفياتي في أوروبا الشرقية بعد عام 1945 - ما دفعه لصياغة مصطلح "الستار الحديدي".&

تشرشل الحديث، وهو ما يطمح إلى أن يكونه بوريس بوضوح، سيفهم على الفور أن قرار بريطانيا بشأن ما إذا ينبغي أن تبقى في الاتحاد الأوروبي يجب أن يُنظر إليه باعتباره جزءا من صورة عالمية أوسع. وتلك الصورة الكبيرة مُقلقة للغاية - مع إعادة اكتشاف روسيا رغبتها في خوض الحرب، وتفكّك الشرق الأوسط، وزيادة الجهادية العنيفة، واستعراض الصين لقوتها في المحيط الهادي، وانجذاب الولايات المتحدة لجنون "فكر ترامب".

&بالنظر إلى كل ما تقدم، سيكون من التعنت وضيق الأفق بصورة تبعث على الكآبة أن يبرر جونسون حملته لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على أساس أن بريطانيا يمكن أن توفر قدرا من المال في مساهماتها في ميزانية الاتحاد الأوروبي. الحقيقة هي أن بريطانيا سوف تدفع ثمنا باهظا للغاية - بصورة مباشرة وغير مباشرة - إذا تفكك الاتحاد الأوروبي. وكان رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، محقا حين أشار إلى أن الأمر في نهاية المطاف مسألة تتعلق بالأمن الوطني.

&حين حقق جونسون لنفسه سمعة باعتباره صحافيا في التسعينيات، كانت الحملة ضد حماقات بروكسل نوعا من المتعة. بل كان من الممكن حتى أن نجادل، في ذلك الحين، بأن طموحات الاتحاد الأوروبي تمثل تهديدا خطيرا للحكم الذاتي لبريطانيا. لكن سيكون من السخف أن ننظر في عالم اليوم ونصِف الاتحاد الأوروبي على أنه أكبر تهديد للديمقراطية البريطانية أو الأمن الوطني البريطاني. لقد تغير الزمن. وما يثير الحزن أن جونسون لم يتغير مع الزمن.

&&FINANCIAL TIMES

&