&حسين شبكشي&

مع حلول ذكرى مرور مائة عام على تقسيم خريطة العالم العربي بوضعها الحالي بعد سقوط الخلافة العثمانية، وذلك على أيدي وزيرَي الخارجية البريطاني والفرنسي سايكس وبيكو، يبدو أننا مقدمون على مرحلة جديدة من الخرائط التقسيمية ولكن هذه المرة «برؤية» وزيرَي الخارجية الأميركي جون كيري والروسي لافروف، وتنفيذ مجاميع إرهابية مثل «حزب الله» و«داعش»، فاليوم مع إطلاق تصريحين متتاليين من كل من كيري ولافروف أحدهما تصريح واضح بجاهزية تقسيم سوريا بشكل فيدرالي، وهي الكلمات الملطفة لفكرة الحكم الذاتي لمناطق بعينها.

ويأتي هذا التطور الأخير كنتيجة طبيعية للموقف الداعم لبقاء نظام بشار الأسد «بغض النظر عن رغبة السوريين والثمن الإنساني الباهظ لبقائه»، وهي مسألة صرح بها الروس مرارًا وتكرارًا وكذلك صرح بها الإسرائيليون وغض النظر عنها مؤخرًا الطرف الأميركي، وذلك على الرغم من حجم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في العصر الحديث التي تسبب بها نظام الأسد الذي يواصل قتله لشعبه بشكل همجي ومجنون، وبالتالي على ما يبدو أن هناك قناعة جديدة معلنة بأن التقسيم هو «الحل الوحيد» للأزمة السورية، لأن بشار الأسد غير صدام حسين على ما يبدو! وطبعًا سيناريو التقسيم في سوريا ليس بالجديد، فهو «موجود» فعلاً في العراق عبر دولة كردستان التي ترغب في التمدد بالاتجاه السوري استغلالاً للوضع الجديد، ووجود استعداد دولي للفكرة نفسها كمبدأ سياسي جديد يحاكي تغيرات جذرية على الأرض.

هذه «القناعة» ليست محصورة في العراق وسوريا، ولكنها تتشكل بشكل أو بآخر في ليبيا، وكذلك بشكل ما في لبنان، وقد يكون الأمر كذلك في اليمن.

ما هو غريب هو اتفاق الروس والأميركيين بشكل معلن على اتجاه التقسيم وإن كان على سبيل الطرح السياسي اللائق، وذلك باستخدام عبارات مثل الحكم الذاتي والفيدرالية، وجميعها تؤدي إلى كيانات جديدة ودول جديدة وأعلام جديدة.

سوريا بلد من عمق التاريخ تعوّد أن يكون حاضنًا للملل والأديان والمذاهب والأعراق والطوائف، وفرض واقع التقسيم عليه ليس بشهادة ضد شعبه في عدم قدرته على التعايش ولا التسامح، ولكنه دليل دامغ على فشل حكم طائفي بغيض حكم البلاد باسم القومية والعلمانية ليحولها إلى ميراث من أب لابن طاغية، سالبين الشعب حريته وكرامته وماله.

التقسيم المطروح على طاولة «الحل» السوري للأزمة ليس هو أول تقسيم ينال بلاد الشام وهي التي اقتطع منها الأردن وفلسطين ولبنان، وها هي اليوم تتعرض مجددًا لتقسيم جديد بمباركة دولية. كان حافظ الأسد مهندس تسليم الجولان لإسرائيل خلال وجوده على رأس الجهاز العسكري لسوريا، واليوم ها هو ابنه يضحي بنصف البلاد وأكثر في سبيل البقاء على حكم طائفته وعائلته.

للتقسيم دومًا أدوات مزروعة من الداخل تساهم بشكل فج في تسريع المشروع، ونظام الأسد وحزب الله و»داعش» هم أدوات تقسيم سوريا وما يحدث على أرضها اليوم. منذ أن بارك حافظ الأسد الموقف الإيراني وغرد وحده خارج السرب العربي في الحرب التي كانت بين العراق وإيران ومنذ أن قام وحده بدكّ المقاومة الفلسطينية في لبنان لتسليمها لحزب الله، منذ ذلك التاريخ كان يساهم في إخراج سوريا من المحيط العربي لها وتجهيز ابنه ليوم التقسيم الحالي.

&

&