عبدالعزيز صباح الفضلي

هل كان إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن بدأ توقف العمليات الروسية في سورية، مفاجئا؟

أقول إن كان على التوقيت، فربما نعم، وأما إن كان عن حتمية التوقف والهروب من سورية، فلا.

فقد قلناها مرارا وتكرارا، إنه كما هُزم الروس في أفغانستان وطُرِدوا خاسئين منها، فسيُطردون من سورية، عاجلا أم آجلا.

والسبب أنه ما دام هناك شعب حرٌ يأبى الظلم والاحتلال، شعب مستعد أن يضحي بحياته من أجل نيل كرامته، شعب يؤمن بمقولة أبو بكر الصديق: (اطلبوا الموت توهب لكم الحياة)، فإنه حتما سينتصر.

هناك معطيات عدة كانت تنبئ بعدم إمكانية استمرار الروس بالتدخل عسكريا في سورية، منها وضعهم الاقتصادي المتأثر بانخفاض سعر البترول، والتكلفة الهائلة لعملياتهم العسكرية التي تثقل ميزانيتها، ومنها توتر علاقتها مع مجموعة من دول الجوار وفي مقدمتها تركيا، التي ترتبط معها بمصالح اقتصادية كبرى.

كذلك هناك الاستياء الذي تبديه مجموعة من دول الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية من التدخل الروسي، وقيام موسكو بضرب القوات المعتدلة من «الجيش الحر» بدلا من تنظيم «داعش»، ناهيك عن المصالح الاقتصادية بين موسكو ودول الخليج، والتي قد تتأثر باستمرار العمليات العسكرية الروسية في سورية.

الروس ظنوا أن التدخل في سورية سيكون نزهة، وأن الموضوع لن يطول، وستُهزم المعارضة، لكن المعطيات الواقعية أعطت خلاف ذلك، فلم يحرر الروس إلا مساحات لا تتجاوز الخمسة في المئة من الأراضي التي يسطر عليها «الجيش الحر»، رغم استمرار الهجمات الروسية لأكثر من خمسة اشهر.

إسقاط طائرة للقوات السورية من قبل المعارضة قيل بصاروخ حراري، ربما أفزع الروس من أن يتكرر المشهد مع طائراتها، خصوصا أن السعودية وتركيا، هددتا بإمكانية تزويد المعارضة بمثل هذه الصواريخ، إن لم يتوقف استهداف روسيا لقوات المعارضة المعتدلة.

من الأمور التي لابد أن يستوعبها المواطن العربي والمسلم، أن روسيا تحركها المصالح لا المبادئ، وإذا كانت هناك عروض أفضل فهي على استعداد للتخلي عن حلفائها، وأتذكر كيف تخلى الروس عن صدام حسين، بعدما أتتهم عروض سال لعابهم لها في حرب تحرير الكويت وفي غزو الولايات المتحدة للعراق.

وهناك عروض اقتصادية كبرى، قدمتها بعض الدول المعارضة للنظام السوري، ربما فتحت الشهية للدب الروسي.

فائدة أخيرة من الانسحاب الروسي، هي أن بشار الاسد المجرم إلى زوال، فرغم قتله لعشرات الآلاف من الشعب السوري، فإن المعارضة لم تتوقف عن مطالبها، ولم يسعفه التدخل والدعم والمساندة والمشاركة التي قامت بها ميليشيا «حزب الله»، والقوات الإيرانية، وبعض الميليشيا العراقية. وحتى مع وجود القوات الروسية ذات الكفاءة عالية التسليح، والتدمير الكبير، كل ذلك عجز عن إيقاف الشعب السوري عن الاستمرار في مطالبه، والتي في مقدمها نيل الحرية ورحيل بشار.

فتحية إجلال وإكبار لهذا الشعب الصامد، ودعوة صادقة إلى دول عالمنا العربي والإسلامي وإلى الدول الشريفة صاحبة المبادئ، أن تقف مع الشعب السوري حتى ينال حريته وكرامته.

وأما مناصروا بشار وداعموه، فنقول لهم «ضفّوا حالكم».