فيصل عباس

كان عدد السبت الماضي الأخير الذي يصدر ورقياً من صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية. وتسبب قرار الصحيفة الاستمرار إلكترونياً فقط بضجة عارمة، وذلك لأن «إندبندنت»، وعلى الرغم من خطها التحريري المثير للجدل، كانت إحدى الصحف القومية المؤثرة في المملكة المتحدة.

ولأن الخبر تزامن عربياً مع إعلان بعض الصحف اللبنانية، وعلى رأسها «السفير»، عن عجزها عن سداد مستحقاتها المالية واعتزامها الإغلاق بدورها، ربط البعض الموضوعين ببعضهما. وربما استغل القائمون على «السفير» أنفسهم ما حدث في «إندبندنت» ليقولوا لموظفيهم إن الصحافة تعاني في كل مكان، وبالتالي هذا يبرر الإفلاس الحاصل.

والواقع أن الربط بين الموضوعين مضحك – مُبكٍ، فلا سوق الصحف الضخم (والحقيقي) في بريطانيا يمكن مقارنته بالسوق الذي لطالما كان مدعوماً (بالمال السياسي طبعاً) في لبنان، ولا «السفير»، في أحسن أحوالها، يمكن أن تقارن بالإندبندنت من ناحية التأثير والدخل والتوزيع. ولعل الأمر الوحيد الذي جمع بين المطبوعتين المنتهيتين هو إبرازهما للصحافيين المؤدلجين، وتصوير ما كانوا يمارسونه من تحيز على أنه مهنية.

كما علينا أن نتذكر أن اليوم الذي ستستطيع فيه الصحف في بريطانيا الاكتفاء بالوجود إلكترونياً اقترب. فنحن نتحدث عن بلد نسبة نفاذ إنترنت النطاق العريض فيه تقارب 90 في المئة. كما أن الطلب على الإعلانات الإلكترونية نما بشكل مهول لدرجة أن التوقعات تشير إلى أنه سيشكل أكثر من نصف حجم الإنفاق الإعلاني الكلي في بريطانيا هذه السنة.

أما لبنان، فهو مصنف ضمن أسوأ البلدان عالمياً في سرعة الإنترنت، فضلاً على أن مبيعات الصحف وإعلاناتها لم تكن يوماً كافية أصلاً لتبقيها حية. أما المساعدات المالية التي يتلقاها معظم ملاك تلك الصحف، فينتهي بها الأمر في جيوبهم الخاصة، ولا يتبقى منها سوى الملاليم فقط للمؤسسات أنفسها. لذلك، تتأخر رواتب الموظفين، وتتبخر مستحقاتهم، في حين الملاك مشغولون ببيع حناجرهم لكل من يدفع، ومهاجمة من لا يدفع، وبتسخير كل ما في صحفهم لخدمتهم شخصياً.

كل هذا يحدث في وقت تحتفل فيه «إيلاف»، أول صحيفة إلكترونية عربية، هذه السنة بالذكرى الخامسة عشرة لانطلاقتها. وعلى الرغم من كل ما تحمله مؤسسها، الإعلامي المخضرم عثمان العمير، من تشكيك في قدرته على أن يستمر بـ «فكرته المجنونة» التي خاضها منفرداً، إلا أن كل ما يجري اليوم يثبت أنه كان محقاً في رهانه على التكنولوجيا. كما أنه كان محقاً في عبارته الشهيرة خلال منتدى الإعلام العربي قبل سنوات حين قال: «الصحافة الورقية .. رحمها الله!».

&

&