كانوا يُسعدون جداً بحديثها الطيّب، وصوره الجميلة، وما تنطق به من حروف تضفي على حديثها كثيراً من الود، ويُقرأ ما بين حروفه ألوان من الابتسام الذي يطغى على الحاضرين ويتابعون ما تبوح به بشوق كبير.
كانت سعاد ترغبُ في طرح المزيد من الأحاديث التي تستدعي منها أن تكون فكرة جيدة، علّ وعسى أن تهذّب علاقتها مع زوجها الذي كثيراً ما يفكر في جمع المال والحفاظ عليه، وإن كان ذلك على حساب صحته ومتع الحياة وملذاتها، وتأمين متطلبات زوجته وأولاده، فضلاً عنه شخصياً.. فتراه يرتدي ملابس بالية، وحذاءً مهترئاً، ولا يبالي بنظرة الناس له. وهو بالرغم من أن وضعه المادي جيد، إلّا أنّه يظهر للناس على أنّه فقير لا يملك شيئاً. هكذا يبدو لمعارفه وأصدقائه، وكثيراً ما ابتعدوا عنه، وقطعوا علاقتهم معه بصورة نهائية، لأنه لم يعد يقبله أصدقاؤه، ناهيك عن ارتكابه كثيراً من الأخطاء التي حاول معارفه أن يدلّوه على الطريق الصحيح الذي يمكن من خلاله تجاوز العثرات التي تعترض طريقه.
كانت سعاد، زوجته الشابة ابنة الثلاثين ربيعاً، تشكو واقعاً تعيشه بكل أسى، وتأمل من زوجها أن يؤمن بعض رغباتها، وأن يحقق آمالها في العيش بأمان وسعادة ورفاه أسوة بغيرها من معارفها وصديقاتها بدلاً من المعيشة القاسية، ناهيك عن الجفاء الذي يطغى على علاقتهما السلبية مع بعضهما البعض، وفي الأفق ليس هناك ما يدل على استمرار العلاقة. فالجفاء هو ما يتسيّدها، وينذر باحتدام شديد قد ينفجر في أي لحظة، وقد يكون الفراق هو ما يغلب عليها.
إقرأ أيضاً: الرّقة.. المدينة المنسية!
أشهر عديدة انقضت ولم يطرأ على علاقتهما الزوجية أي جديد، بل إنها تأزّمت أكثر فأكثر، وزوجها لا يعنيه صراحة أي تقدّم فيها، وكل هدفه إبقاء الأرض التي يملكها تحت يديه على حساب حياة أسرته وتمتعها بالواقع الذي تعيشه، وحرمانهم الكثير من الأشياء.
كانت الزوجة تحاول أن تغيّر شيئاً من حياة أسرتها التي تعيش في صورة مأساوية غريبة، والبخل هو الذي يُفاخر ويعتزّ به ويحفاظ عليه، وإبقاء الأرض التي يملكها في بلده، مسقط رأسه، محافظاً عليها وعدم التفريط بها، مهما كانت الظروف، ولو استدعى منه ذلك أن يمد يده للناس. الأهم هو الحفاظ على أرضه التي يحلم بفلاحتها واستثمارها بالصورة التي يريدها، وهذه رغبة طالما كان يفكر بها، ولو استدعى منه السفر إلى بلده وترك أسرته في بلاد غريبة عنه. فالحاجة إلى المال دفعت بزوجته إلى الاستدانة من أهلها ومعارفها، وظلت نداءاتها مستحيلة بدون استجابة، وها هي تقف مكتوفة الأيدي محاولةً الخلاص من الحال الذي تعيشه بحيرة غريبة.
إقرأ أيضاً: الأم الصغيرة
الحال الذي تعيشه يؤسف له، وهي بالرغم من وجودها في دولة تحترم اللاجئين الغرباء، وتدعمهم مادياً، ولم تقصر في تقديم الخدمات لها ولأسرتها، ولغيرها، فقد ظلت بعيدة عن زوجها الذي أهملته لعدم الاهتمام بها، وعدم تلبية جزء يسير من متطلباتها، بل ظلت تعيش على الكفاف، بالرغم من المال الذي يملكه، وحرم نفسه من التصرف فيه، ويتطلب منه أن يكون كريماً معهم لجهة العيش بكرامة، ومن ثم إسعادهم ليهنأوا بعيش رغيد بدل من المعاناة التي يعيشونها، ولا يمكن لهم الخروج من هذا المأزق إلا ببيعها من أجل سداد ما على الزوج من ديون متراكم، والعيش مع أسرته بأمان.
التعليقات