&محمد علي فرحات
لن يعرف أحد نتيجة المفاوضات بين «حماس» ومصر قبل أن تظهر على الأرض، فالوفد الآتي من غزة برئاسة محمود الزهار يتفاوض مع ضباط في الاستخبارات المصرية، ثم يغادر القاهرة إلى الدوحة ليغربل النتائج مع خالد مشعل، قبل أن يعاود التفاوض مجدداً في العاصمة المصرية.
ومن إشارات نتيجة التفاوض، نفي القيادي المتصلب سامي أبو زهري أيَّ علاقة لـ «حماس» مع «الإخوان»، خصوصاً في مصر، وأن تنظيمه يعمل فقط للوطن الأم، فلسطين.
أي أنه يعود إلى المبادئ الوطنية التي لم تفقد بوصلة فلسطين، فيما تتوزعها رياح المنطقة والعالم، من التيارات القومية العربية إلى الإسلام السياسي «الإخواني» والإيراني، إلى اليسار الدولي ممثلاً بالاتحاد السوفياتي السابق.
عودة «حماس» إلى البيت الفلسطيني لن تكون مجرد شعار عابر، فالانتقال من العالمية الإسلامية إلى الوطنية الفلسطينية يشكل صدمة أيديولوجية لأعضاء «حماس»، تؤكدها أخبار مسربة حول اتجاه كثيرين منهم إلى الالتحاق بـ «داعش». وعلى صعيد سياسي، تتطلب عودة «حماس» مصالحة فلسطينية حقيقية، خصوصاً مع «فتح»، والاتجاه إلى تفعيل منظمة التحرير ومؤسسات الدولة الفلسطينية على رغم الظروف الصعبة إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً.
تتبرأ «حماس» من ذنوب اقترفتها في عهد «الإخوان» المصريين، وتطلب فتح المعابر مع غزة، مع الاعتراف بمسؤولية الدولة الفلسطينية عن هذه المعابر، فميليشيات «حماس» تسبب للمصريين حساسية تجاه ماض سيء وحاضر أسوأ، وجرائم إرهابية متواصلة في شمال سيناء، التي ثبت للقاهرة أنها تحظى بدعم طرف من «حماس» هو «كتائب عز الدين القسام». وقد تسلم الزهار ومعاونوه من الطرف المصري معلومات في هذا الشأن أدلى بها قياديون «قساميون» كبار اعتقلهم الجيش المصري في سيناء وحقق معهم. لكن مصر إذ تزود «حماس» هذه المعلومات، تركِّز على حصر علاقتها مع غزة بالشرعية الفلسطينية وليس بميليشيات «حماس» الأساسية أو الفرعية.
ويمكن القاهرة أن تساعد في حل مشكلتي الأسرى بين غزة وإسرائيل وفي المصالحة بين «حماس» و «فتح»، استناداً إلى دور مصر المميز في حل مشاكل الفلسطينيين، ويضاف إلى ذلك ضبط المعابر الشرعية من طريق الدولة الفلسطينية كطرف وحيد مقابل للطرف المصري.
سوف تستمر إسرائيل في حصار غزة. إنه خبر قديم، لكن الجديد هو أن الشعب الفلسطيني في غزة استطاع حصار «حماس»، التي لم يسعفها تفردها في حكم القطاع، وطردها «فتح» وفصائل أخرى، واحتفاظها بهامش لـ «الجهاد الإسلامي»، شريكتها في العلاقة مع إيران بل جِسرِها إلى طهران حين تتنصل «حماس» من العلاقة مع النظام الخميني.
فشلت «حماس» في احتواء أهل غزة الفلسطينيين، على رغم سطوتها الأيديولوجية التي تستخدم الدين سبيلاً لقمع السكان. وكانت الوطنية الفلسطينية -ولا تزال- السدّ الذي يمنع طوفان «حماس» من إغراق غزة. هناك شعب يقاوم ويصبر ويعلن مطالبه بحياة أفضل، وهناك فنون هذا الشعب وإقباله على علوم العصر، ما يقلق عناصر «حماس» القابعين في القرون الوسطى، فتراهم في حال عجز عن المواءمة بين الإسلام السياسي «الإخواني» والوطنية الفلسطينية. وقد تفاقم عجزهم بعد انهيار الحكم «الإخواني» في مصر، فلم تشكل صور محمد مرسي وشعارات حسن البنا في ساحات غزة بديلاً من ذلك الحلم القصير بحكم وادي النيل انطلاقاً من غزة هاشم، وتأجيل البت في الملفات الفلسطينية حتى تكتمل خلافة «الإخوان» ويصبحوا أساتذة العالم، على ما وعد المدرّس المصري في التعليم الابتدائي حسن البنا، الذي طالما شحن مناصريه بكراهية الحضارة الحديثة متمثلة بمصر الليبرالية، حيث يتعايش المصريون مع الأجانب الأوروبيين والعرب الشوام.
ذلك العصر الذهبي باعتراف العالم، رآه البنا مجرد اعتداء على خلافة عثمانية طوتها الحرب العالمية الأولى في دفاتر التاريخ لكنها بقيت حية في صدور أنصار البنا، وتحضّهم على رفض الوطنية وكره الدولة الحديثة وما هو مشترك وإيجابي بين شعوب العالم.
التعليقات