&البحرين في مواجهة الضغوطات

&
السفير حمد أحمد عبدالعزيز العامر
تساؤلات عديدة يطرحها من يبحث عن الحقيقة الضائعة وسط تعقيدات اللعبة الحقوقية المسيّسة والتي تعاني منها دول مجلس التعاون وبالأخص مملكة البحرين، فما هو النظام الحقوقي «المثالي» الذي تسعى (الولايات المتحدة الأمريكية ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني الدولية) جاهدة لبسطه في الوطن العربي تحديداً؟ ولماذا يتم التغاضي عما يمارسه النظام الديكتاتوري الحاكم في إيران من انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان؟ ولماذا التركيز على دول بعينها لتضخيم ملفاتها الحقوقية وعدم الاعتراف بأي جهود وإنجازات تحققها في هذا المجال؟
كما هو معروف في عالم السياسة فإن من يدير العالم هو (المصالح السياسية والاستراتيجية للدول الكبرى)؛ وأبرز دليل على ذلك استمرار الأوضاع الأمنية المتدهورة في البلدان العربية نتيجة (الثورة الخلاقة) التي استغلت شعارات حقوق الإنسان كمدخل مشرَّع الأبواب للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وإشعال نيران العنف فيها لخدمة المصالح الأمريكية.
ووسط هذه الأوضاع المتشابكة وعند تسليط الضوء على مملكة البحرين التي تسعى الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها على إبقاء قضيتها حاضرة على المستوى الدولي، نجد أنها انفردت دون غيرها من الدول العربية ودون ضغوط من أي جهة كانت؛ ببذل جهود واضحة في مجال حقوق الإنسان، وطرحت العديد من المبادرات الإصلاحية في جميع المجالات؛ وذلك لحرص الملك حمد بن عيسى آل خليفة منذ استلامه سدة الحكم على السير بالوطن نحو الديمقراطية الحقيقية بخطوات صحيحة وثابتة وهادئة ومدروسة، ويمكن رصد بعضها فيما يلي:
-إصدار مرسوم بإلغاء قانون ومحكمة أمن الدولة في (فبراير 2001م).
-السماح بعودة جميع المنفيين إلى البلاد دون قيد أو شرط، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
-التصديق على ميثاق العمل الوطني في (فبراير 2001م).
-إجراء الانتخابات البرلمانية بمشاركة المعارضة.
-تكليف صاحب السمو ولي العهد في (18 فبراير 2011م) ومنحه كامل الصلاحيات لإجراء حوار مع جميع الأطراف السياسية لاحتواء الأزمة.
-الأمر الملكي بإنشاء اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق في (يونيو 2011م) التي أمر الملك بتنفيذ توصياتها جميعاً بشكل فوري.
-انطلاق حوار التوافق الوطني الأول في (يوليو 2011م) وأعلنت المعارضة انسحابها منه بحجة أن (هذا الحوار لن ينتج عنه حل سياسي جذري بل إن مخرجاته معدة سلفاً وستزيد من تعقيد الأزمة).
-إجراء الانتخابات التكميلية في (سبتمبر 2011م) لشغل مقاعد المعارضة في مجلس النواب.
-انطلاق حوار التوافق الوطني الثاني في (فبراير 2013م) وعلقت المعارضة مشاركتها فيه بحجة (عدم جديته واستمرار الانتهاكات ورفض الحكم الالتزام بما ألزم نفسه به).
-الإعلان في (9 مايو 2016م) عن تنفيذ جميع ما تضمنه تقرير اللجنة المستقلة لتقصي الحقائق من توصيات، بشهادة رئيسها البروفيسور محمود شريف بسيوني الذي تراجع عن تصريحاته بسبب الضغوط التي تعرَّض لها من الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد تلك الإنجازات والمبادرات السياسية الجادة، ومع تعنّت المعارضة واستقوائها بقوى خارجية إقليمية مجاورة؛ ما هو المطلوب من البحرين؟ وماذا وراء الحملة الأمريكية الشعواء ضدها؟ وهل يدخل ذلك ضمن إعادة النظر في الاستراتيجية الأمريكية في منطقة الخليج العربي بعد التوقيع على الاتفاق النووي مع إيران؟ تساؤلات عديدة ستبقى إجاباتها مختبئة في عالم السرية ولن يُكشف عنها إلا بعد سنوات طوال.
إن أكثر ما تحرص عليه الولايات المتحدة ويعتبر ركيزة أساسية في سياستها هو تأمين سلامة قواتها ومواطنيها بأي ثمن، ولهذا جنَّدت كل طاقاتها الدبلوماسية والبرلمانية والإعلامية، إلى جانب قرار البرلمان الأوروبي الذي صدر في (7 يوليو 2016م) وأدان الإجراءات التي قامت بها الحكومة مؤخراً في تدخل واضح في شؤون البحرين الداخلية.
وأمام هذا الوضع؛ لابد من معالجة (العلاقات البحرينية الأمريكية/ الأوروبية) عبر توضيح حقيقة التطورات الأخيرة في البحرين والجهود المبذولة لصون أمن المملكة وسلامة شعبها وتحقيق المشاركة الشعبية في الحكم والوصول إلى دولة المؤسسات والقانون، وهذا يستلزم الاستعجال بتشكيل وفد حكومي عالي المستوى للقيام بجولة لعواصم القرار في أوروبا وأمريكا، إلى جانب وفد برلماني على درجة من المهنية يقوم بزيارات مماثلة إلى اللجان البرلمانية المعنية بملف حقوق الإنسان؛ لشرح هذه التطورات ضمن خطة عمل موحدة تساعد على التخفيف من الضغوط السياسية والحقوقية على البحرين والضغط على المعارضة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة في (2018م).
* المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون.