&علي بردى

حفلت ليلة الإنقلاب الفاشل في تركيا بدروس عدة للرئيس رجب طيب أردوغان. تلقى إنذاراً لا سابق له ولو من متمردين هواة في الجيش. لكن العبرة الأهم أتته من أنصار الديموقراطية في بلاده، إذ تعالت كل القوى السياسية المعارضة له فوق خلافاتها، رفضاً لحكم العسكر ودفاعاً عن شرعيته على رغم ميوله الشخصية المتزايدة باطراد نحو الغطرسة والإستبداد. كذلك سارعت دول العالم الى الإصطفاف دعماً لحكومته المنتخبة.

وعد أردوغان الأتراك بتحوّل عميق في بلاد شهدت خمسة إنقلابات عسكرية في زهاء نصف قرن. لا بد أنه يتذكّر السلسلة التي بدأت عام 1960 عندما اعتقل الجيش كل أعضاء الحزب الديموقراطي الحاكم. لم يمض كثير وقت حين علق رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار على أعواد المشانق عام 1961. أرغم الجيش رئيس الوزراء المحافظ سليمان ديميريل على الإستقالة عام 1971، معلناً الأحكام العرفية ومشكلاً حكومة "تكنوقراط". لعل التدخل الأكبر للجيش في الحياة السياسية التركية حصل عام 1980 حين وصلت البلاد الى حافة الحرب الأهلية مع انفجار العنف بين الطلاب اليساريين واليمينيين. نصب زعيم الإنقلاب كنعان ايفرين نفسه رئيساً وأعاد كتابة الدستور لتكريس سلطة العسكر. لا يزال عام 1997 ماثلاً أيضاً عندما أرغم الجيش العلماني الإئتلاف الإسلامي الحاكم بقيادة نجم الدين أربكان على الإستقالة بتهمة السير بتركيا نحو حكم ديني. حمل عام 2016 فشلاً ذريعاً لمحاولة الإنقلاب التي نفذتها مجموعة صغيرة نسبياً من المتمردين في الجيش.

أخشى ما يخشاه كثيرون أن يعتقد أردوغان أنه حصل على "رخصة شعبية" للجنوح أكثر فأكثر نحو مزيد من التسلط "السلطاني". هذا النجاح الباهر لا يسجل لأردوغان، بل للمؤسسات الديموقراطية التي التفت حوله. سارعت القوى المعارضة التي يضطهدها أردوغان الى اصدار بيانات التنديد بالمحاولة الإنقلابية. حتى الداعية الإسلامي فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بالتآمر لإطاحته ندد بالإنقلابيين. حين سيطر هؤلاء على محطات التلفزيون والإذاعة الحكومية، تعالت القنوات الإعلامية والصحافية الخاصة على حملات الترهيب والرقابة، وفتحت أبوابها لبث رسائله الى الشعب التركي. اعتمد أردوغان بدرجة عالية على "الفايس تايم" وغيرها من وسائط التواصل الإجتماعي التي كان يقفلها بين حين وآخر. ينبغي عدم نكران شجاعته وتبصره في الوقت العصيب. قرر العودة من إجازته الى اسطنبول بعدما جازف بدعوة أتباعه وأنصار الديموقراطية للنزول الى الشوارع دفاعاً عن الشرعية. غير أن أحداً لا يعرف الآن ما إذا كان أردوغان سيعيد حساباته ويراجع طريقة تعامله مع المؤسسات الديموقراطية التي حمت شرعيته.

ما حصل كان بمثابة إنذار. هذه فرصة لأردوغان وحزبه العدالة والتنمية لإطلاق الصحافيين والإعلاميين من السجون، ووقف اضطهاد المعارضة السياسية السلمية، بما فيها القوى الكردية.

ينبغي لهما أن يزيلا أي لبس في موقفهما من "الدولة الإسلامية - داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما من الجماعات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق.