فتحي محمود&

تعد العلاقات التاريخية بين مصر ولبنان نموذجا للتفاعل الحضارى بين الأشقاء، وتسجل رسائل تل العمارنة اتصال المصريين القدماء مع الفينيقيين بمدينة جبيل والعلاقات التجارية التى ظلت قائمة على مدى قرون، حيث كانت تحصل مصر من لبنان على خشب الأرز، بينما كانت تحصل لبنان من مصر على كتان أخميم المغزول الذى لم يكن يضاهيه نسيج فى العالم.

&كما أسهم اللبنانيون فى النهضة المصرية فى جميع مجالات الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية، ولا تزال مصر تدين بالفضل بوجه خاص للبنانيين فى النهوض بمجال الصحافة والأدب والفنون كالأخوين سليم وبشارة تقلا مؤسسى صحيفة الأهرام، وجورجى زيدان مؤسس دار الهلال، ونجيب مترى مؤسس دار المعارف، وروز اليوسف رائدة المسرح والصحافة، وغيرهم من الأدباء والفنانين اللبنانيين الذين احتضنتهم مصر وصاروا جزءاً أساسياً من تراثها الفنى والثقافي.&

فنحن امام علاقة خاصة واستثنائية جمعت مصر ولبنان على المستويات كافة فى الأفراح وفى الأحزان أيضا،&

وقد ذكرت الدكتورة هدى عبد الناصر ابنة الزعيم الراحل أنه بعد العدوان الإسرائيلى عام 1967 واستقالة عبد الناصر فى التاسع من يونيو، كان اللبنانيون أول من خرجوا إلى الشوارع يرفضون ذلك القرار، وتضيف: «لن أتحدث عما فعله اللبنانيون فى الثامن والعشرين من سبتمبر 1970 ولا عن برقيات التعزية التى تهز المشاعر والتى لا نزال نحتفظ بها، ولا عن مظاهر المحبة التى لن أرى لها مثيلًا ».

&وقد شاهدت بنفسى خلال فترة عملى كمدير لمكتب الأهرام فى بيروت من عام أوائل عام ٢٠٠٢ حتى نهاية ٢٠٠٦ مدى الاعتزاز والتقدير والمحبة التى يكنها الشعب اللبنانى بمختلف طوائفه لمصر والمصريين.

&ولذا سعدت بنبأ تعيين السفير نزيه النجارى سفيرا لمصر لدى لبنان، لأنه من الشخصيات الفاعلة فى العلاقات بين البلدين والقادرة على الوصول بها إلى آفاق أرحب.

&فقد كان قنصلا بالسفارة المصرية فى بيروت فى نفس الفترة من عام ٢٠٠٢ إلى العام ٢٠٠٦ ، وهى واحدة من أهم الفترات وأكثرها حساسية فى التاريخ اللبنانى الحديث، وشهدت التحولات السياسية التى أعقبت استشهاد الزعيم اللبنانى رفيق الحريرى رحمه الله وصولاً إلى العدوان الإسرائيلى على لبنان فى يوليو من العام ٢٠٠٦، والذى تابعه السفير النجارى وهو مسئول الملف العربى فى مكتب وزير الخارجية آنذاك، كما تابع اتفاق الدوحة ورافق المفاوضات حوله مع الأشقاء اللبنانيين والى جانبهم هناك.&

ولذلك يعبر السفير نزيه النجارى بدقة عن رؤية مصر التى تؤكد الحرص على الحفاظ على وحدة وسيادة لبنان وتماسك أطياف شعبه، وتثمن التعددية الدينية والمذهبية فى لبنان باعتبارها نموذجاً فريداً للعيش المشترك. وتدعم الحوار الوطنى اللبنانى والجهود الوطنية الساعية إلى إنهاء الأزمة السياسية الحالية وإنهاء الشغور الرئاسى القائم منذ عام 2014، وتثق بإمكانية توافق قادة الأحزاب السياسية اللبنانية والشعب اللبنانى على رئيس للجمهورية يعبر عن مصالح الأمة اللبنانية، فضلاً عن التوافق على قانون انتخابى يجرى على أساسه الاستحقاق النيابى القادم.

&واعتقد أن زيارة السيد سامح شكرى وزير الخارجية إلى لبنان اليوم تأتى فى سياق هذه الرؤية المصرية المهمة، خاصة أن مصر تعد طرفا مقبولا ومرحبا به من مختلف التيارات والطوائف اللبنانية، لأنها ليس لديها أجندة خاصة فى لبنان ، لكن تستهدف أولا وأخيرا مصلحة الشعب اللبنانى الشقيق فقط لا غير.&

لقد طرح البلدان مبادرة مهمة فى شهر مايو الماضى هى مبادرة «مصر – لبنان إلى إفريقيا» التى تمثل نواة للتعاون الاقتصادى العربى الإفريقى القائم على تحقيق التكامل المصرى اللبناني؛ لزيادة معدلات تصدير المنتجات المصرية إلى إفريقيا، وخاصة فى قطاعات مواد البناء والملابس والمفروشات المنزلية والصناعات الهندسية والصناعات الغذائية والدواء.

&وهذه المبادرة يمكن أن تشكل جسرا مهما لتعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين، وكذلك تعزيز تجارتهما مع القارة الافريقية، وهو مايمثل تطورا نوعيا مهما فى العلاقات الاقتصادية بين الدول العربية.

&< كلمات:

&وضوح الغاية عند الإنسان يسبب له الاطمئنان ويؤدى إلى السعادة.

&جوته