نجيب الزامل&

الكارهون الحاقدون هم من أشر النفوس.. ولا يفوقهم شرا سوى الذي يستمتع بالاستماع لهم.

&الرأي&

مبرر عند البشر أن تكره بشريا مثلك، فقط لأنه يقف في صف مضاد لك. وأكثر ما يتضح بالحروب، إنها لعبة حبل ربطة المشنقة بين الحب والكراهية، بين الإعجاب والحقد، الذي يحدد ذلك أي كتف تضع عليه السلاح، أي مكان تدافع عنه أو تهاجمه. يحتار علماء أنثروبولوجيا الأخلاق البشرية: هل نحن طيبون بالأصل؟ أم نحن كارهون بالأصل؟ أي هل نميل للكراهية طوعا وغريزة؟ أم نميل للحب غريزة وطوعا؟ أم هو شيء بين بين، نسميه عاطفة الضرورة؟ فالإنسان يكره ضرورة لا غريزة، ويحب ضرورة لا غريزة - طبعا هذا خارج دائرة حب العائلة والأبناء الأقرب للغريزة الطبيعية بنا جميعا. تاريخ الكراهية دمر العالم، وليس بالضرورة أيضا أن المحبة عمرت العالم، كلاهما أسهم في التدمير والإعمار بطرق متداخلة ومعقدة مثل مغزل بيد امرأة شاخت وهي تداخل الخيوط وتشدها لتشكل نسيجا كل خيط فيه يحتمل حبا ويحتمل كراهية. هل عندما كره هتلر اليهود يكون بالنسبة لنا طيبا؟ وهل اليهود الذين عذبهم وطردهم هتلر وهم مواطنون ألمان مدنيون بالنسبة لنا ضحايا فوجب علينا بالتلقائية الإنسانية أن نعطف عليهم؟ وهل نكون أطيب أم أكثر شرا عندما نصرخ ونقول: "إيه أحسن خل هتلر يحرقهم حرق، ـــ وإن شاء الله ـــ يخرج هتلر جديد يحرقهم كلهم". عندما نقول هذا هل نكون من الطيبين. الأوضح هو كره الأفعال وحب الأفعال لا الأشخاص، وهنا يكون الأمر أقرب للعدالة العقلية الحقانية، فيمكنني أن أقول وأنا محق وأظن نفسي طيبا إني أكره كل صهيوني احتل أرض أهلي الفلسطينيين. وأحب أن أكره كل ديكتاتور يفني شعبه ببراميل الكيمياء المحرقة، وأكره بشارا وروسيا اللذين أحرقا حلب، كما أكره الداعشي الذي يذبح أيا كان من وريده للوريد. هل معنى ذلك أن هناك كراهية تسكنني كما تسكن كل شخص، أم هي محبة تجعلني أكره كل عمل شرير، سؤال معقد سيكولوجيا وأخلاقيا بحتا، وأميل أن من يكره العمل الشرير فهو طيب، والعكس صحيح، من أي مكان أتى، ومن أي شخص قام بالفعل.. بلا استثناء.

&الواقع

&كانت أمريكا دولة دساتير تكفل الحقوق للجميع تحت مظلة نصوص كتبها الآباء المؤسسون، وتكاد تملك احتفاء مقدسا بها طوال القرنين الفائتين. إلا أن أمريكا الطيبة ـــ على الأقل دستوريا ـــ صارت تنقرض ويأكل منها فأر الشر الضخم، كل عام ومع كل رئيس يقرض الفأر كمية زائدة من تلك الطيبة الدستورية العدلية حتى أنها تنحدر من الديمقراطية إلى الأوتوقراطية أي حكم الفرد الواحد أو الديكتاتور، بمهمز الشر والأصولية المتشددة. الذي قال ذلك فصيحا جهيرا معلم القانون الدستوري الأمريكي "بروس باكرمان" في الجامعة الفخمة "ييل". وذكر الأسباب التي بدأت تحصل وتصير في العمق المؤسسي الأمريكي وترسخ ظاهرة القرار الفردي للرئيس من بوش حتى أوباما بأمثلة محددة في كتابه الذي صعق أمريكا "انحسار وسقوط الجمهورية الأمريكية

&TheDecline and Fall of the AmericanRepublic".. فتصوروا تحت هذا الانحدار الدستوري وصول شخص كاره للرئاسة الأمريكية عنصري مثل "ترامب"؟ الله لا يقوله!

&والمهم&

"راينر ريلكه" من أجمل شعراء ألمانيا، شعره حالم رقيق رومانسي كعاطفته. كانت أمه جامدة كاثوليكية متعصبة، وكرهت الأولاد كرها جما. ولأنها لم ترزق ببنات إلا الصبي ريلكه، أصرت أنه بنت وألبسته الفساتين، وعاملته طوال طفولته كفتاة صغيرة. ربما هذا سبب تفرد أدب ريلكه، من بين الفكر الألماني الصخري، بالنعومة واللطف.