& مأمون فندي&&

حديث القادة في اجتماع قمة العشرين في الصين، واجتماع مؤتمر أصدقاء سوريا في لندن الأسبوع الماضي، في ظل غياب جون كيري وزير الخارجية الأميركي، وورقة المعارضة السورية التي تطرح نموذجا لحل الأزمة، ولقاء كيري - لافروف لوقف إطلاق النار على الأقل لمدة شهر، كلها أحداث توحي بزخم جديد من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. ولكن بالتمعن في خريطة ما يدور، يبدو جليا أن الحلول الفنية المطروحة أغرقت الأزمة السورية في التفاصيل، وغابت أي رؤية استراتيجية تضع الأزمة في سياق إقليمي أوسع قد يؤدي إلى الاستقرار.

أما الوصفات المقدمة حتى الآن، فهي توحي بغياب الاستقرار ليس في سوريا وحدها، وإنما سوريا والعراق، لعشرين عاما مقبلة على أحسن تقدير.

في اجتماعات قمة العشرين في الصين، كانت تصريحات القادة الرئيسيين والفاعلين في الأزمة السورية كلها تصبّ في جوانب التهدئة الجزئية، أو الحلول التكتيكية لأزمة شديدة التعقيد، حرب محلية تختبئ في داخلها حروب بين الدول الكبرى والدول الإقليمية والداخل السوري. ففي سوريا، لا تخفى عن العين الحرب الأميركية الروسية، حيث توجد روسيا بشكل ميداني مباشر في سوريا، وحرب بين الأكراد وتركيا، وحرب بين نظام الأسد ومعارضيه. التعامل مع الحرب الأخيرة على أنها جوهر الصراع ليس هو الطريق إلى الاستقرار في سوريا. الطريق إلى الاستقرار لا بد أن يتعامل مع هذه الحروب مجتمعة، وفي سياق إقليمي أوسع، يمتد من سوريا إلى العراق إلى اليمن.

إلى الآن، رؤى الدول الكبرى غير مبشرة، إذ تتبنى الحلول الجزئية على حساب رؤية استراتيجية أوسع.

في اجتماعه مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن كيري ولافروف، وزيري خارجية أميركا وروسيا، تباعا سيجتمعان «من أجل تقليل حدة العنف». هذا هو هدف بوتين المرحلي. أوباما تحدث عن سوريا في السياق الأوسع لمحاربة الإرهاب و«داعش»، أي أن سوريا ليست هي الأساس، بل قضية الإرهاب العابرة للحدود. أما الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فتحدث عن حماية حلب، أي أن الهدف التركي لا يتركز في كل سوريا، بل في مدينة واحدة، وفي محاربة القوى الكردية التي ترى أنقرة أنها تهدد الدولة التركية. إذن، سوريا في حد ذاتها، وكذلك استقرارها، ليس هما تركيا.

الجامع الأكبر بين هذه التصريحات هو التفكير التكتيكي المنكفئ على الاستفادة الخاصة لكل دولة، على حساب مأساة تجاوز عدد القتلى فيها أكثر من نصف مليون نسمة، رؤية تكتيكية على حساب الرؤية الاستراتيجية.

أما المعارضة السورية، فطرحت برنامجا في مؤتمر لندن يمكن تلخيصه في اعتقاد رومانسي بأن نظام الأسد سيتفاوض مع معارضيه على حل نفسه من دون مقابل، خلال 18 شهرا.

نعم، هناك تصور للمحافظة على المؤسسة الأمنية متماسكة، ولكنه تصور يركز على السياسات، لا السياسةpolicies not politics؛ أي يتجاهل هذا التصور أن للجيش أنصارا وأتباعا جعلوه يستمر في المواجهة إلى الآن. أقصد هنا الطوائف والجغرافيا السياسية لسكان سوريا، كما أن رؤية المعارضة لا تأخذ في الاعتبار لمن الأرجحية الآن في الوضع الاستراتيجي الميداني، إذ لا تمنح المعارضة في رؤيتها أي جزرة لنظام الأسد لكي يرى في العملية التفاوضية ميزة ما بالنسبة له، غير أنه سيحل نفسه بعد 18 شهرا، ويسلم سوريا لقوى قد تنكل به وبأعوانه وأتباعه.

هناك تصور لدى المعارضة، والبعض في المجتمع الدولي، أنه بعد اعتماد خطة المعارضة للتغيير في سوريا، سنحصل على سوريا ديمقراطية، والحقيقة هي أن منطقتنا العربية تحتاج مخرجات تعليم جديدة، وثقافة فردية جديدة، قد نصل إليها بعد 20 أو 30 عاما أخرى، وإن أفضل ما يمكن تصوره في سوريا، ومعها العراق أيضًا، هو نظام التنظيمات العثماني، حيث يكون هناك نوع من الحكم الذاتي للأقليات المختلفة عرقيا ودينيا، لهم محاكمهم وطقوسهم الدينية، في ظل ارتباط بالمركز يحافظ على استمرار سوريا كوحدة سياسية غير مجزأة.

سوريا قضية معقدة، وليست بسيطة. وكما أسلفت في أول المقال، هي عدة حروب في واحدة: روسيا - أميركا، إيران - تركيا - الأكراد، نظام الأسد - المعارضة.

ولا يمكن حل كل هذه الخلافات إلا بتصور شامل للاستقرار الإقليمي، يأخذ في الاعتبار مصالح السعودية وتركيا وإيران، وأيضًا إسرائيل (regional package)، قد تحدث فيه مقايضات. هذا مجرد تصور بدائي لملامح صفقة إقليمية، ويمكن تصور صفقة إقليمية أوسع تدخل فيها إسرائيل وتركيا. المهم أن يكون العرب على الطاولة في هذه الصفقات، ولا تحدث الطبخة على طريقة صفقة النووي الإيراني مع الغرب، حيث لم يوجد العرب على الطاولة لمناقشة الصفقة، بل كانوا هم «الباكيج».

محاولة حل الأزمة السورية أيضًا من خلال الحديث عن قضايا حول الإرهاب واللاجئين، لا تأخذنا إلى نهاية الطريق، وقد جربنا ذلك في مشكلة فلسطين، على الأقل خلال العشرين عاما الماضية، وأمامنا عشرون أخرى.

الحديث عن سوريا اليوم يجب أن يحافظ على وحدة سوريا كدولة. الآن، سوريا تحت النفوذ التركي في جهة، والإيراني في جهة، والروسي في جهة أخرى، وانتشال سوريا من الوحل يتطلب رؤية استراتيجية، وليس الحديث عن قضايا فنية مثل اللاجئين والإرهاب أو حتى مصير الأسد، فقد كان هناك مصير ياسر عرفات و«الإرهاب» الفلسطيني واللاجئين، وها نحن في القصة لعقود، فهل هذا ما يريده المجتمع الدولي لسوريا؟

&&

&