عبير العلي& &&

نحن بحاجة إلى ثورة إعلامية تواكب العالم المتقدم، تحترم عقلية المشاهد وترضي فضوله المعرفي وتخرج من إطار الرتابة والقيود التي تحد من تقديم المختلف والمنافس..

قبل عدة أيام غرد الفنان الكبير ناصر القصبي عبر حسابه الشخصي في تويتر تغريدتين حول عمل توعوي عن الحج، شاهده عبر شاشات الخطوط السعودية، ووصفه بأنه: "عمل رخيص في المحتوى والشكل"، ولا يليق بالمملكة العربية السعودية ولا بالخطوط، وطالب الأخيرة أن تتعاون مع شركات رفيعة المستوى تقدم صورة لائقة بالوطن وليس "دكاكين الإنتاج الإعلامي"، وهنا يفتح بابا كبيرا من التساؤلات عن الدور الإعلامي المحترف الذي تقدمه وزارة الإعلام كجهة حكومية مسؤولة عن الإعلام في جميع مؤسساتها التي تتبع لها للتعريف بالسعودية بشكل لائق، وتحسين صورتها لدى المتلقي، وإيصال هذه الصورة لخارج حدود الإعلام المحلي، بالإضافة إلى العمل على التصدي للهجمات التي تتعرض لها الدولة، وتسبب خلق عداوات لمواطنيها وحكومتها لدى الآخر بسبب الصور النمطية التي تمرر عبر الإعلام المضاد.

لا أحد ينكر السلطة التي يمارسها الإعلام الحديث في هذا الوقت، ولا النفوذ الذي تستطيع أن تمتد له عبر الوسائط المرئية والمسموعة فضلا عن التقليدية المقروءة أو التطبيقات المتجددة كل يوم في الأجهزة الذكية. ولكن نلحظ أن إعلامنا المحلي مازال عاجزا عن مواكبة الصنعة الإعلامية العالمية المتقدمة، ولا يحسن استغلالها لصالح الوطن قيميا أو معرفيا أو حتى اقتصاديا. ونحن الآن في أيام الحج الفضيلة نعلم ما تواجهه البلاد من هجوم شرس من إيران التي لها سوابق إجرامية في موسم الحج، نوجه السؤال للوزارة: ما الجديد والفاعل الذي قدمته لهذه المناسبة، خاصة أن موعدها ثابت تستطيع استباقه بالكثير من الأعمال وعداء إيران ومشكلاتها قديمة ومتوقعة؟

لم يعد المتلقي المحلي أو العالمي بحاجة إلى مراسلين يرتجلون الأحداث من مواقع الحج بآلية، ولا لاقطات صوت تدور بين عدد من المذيعين من بلدان مختلفة في أوقات معلومة، ولا الحشد الهائل من رجال الدين الذي يكررون ذات المواضيع الفقهية والوعظية التي تقال في موسم الحج وغيره. لم يعد الجمهور حتى البسيط والساذج منهم تلفت نظره الطرق البدائية في تقديم المواد والتفاعل معها.

في الفترة من 23 إلى 30 سبتمبر 2016 الجاري سينطلق مهرجان طهران السينمائي الرابع عشر والذي سيتم فيه عرض 5 أفلام تتحدث عن حادثة مشعر منى التي وقعت في الرابع والعشرين من سبتمبر العام الماضي بسبب تدافع الحجاج يوم النحر وهم في طريقهم إلى منطقة رمي الجمرات، وذهب ضحيتها مئات الوفيات والإصابات، ثلاثة من هذه الأفلام وثائقية، وأحدها رسوم متحركة، والآخر عبارة عن موسيقى مصورة. وبالطبع فإن هذه الأفلام التي ستعرض في مهرجان تحت شعار "تجسيد الخطاب الثقافي للثورة الإسلامية" ستكون لتعزيز سياسة وتوجهات الحكومة الإيرانية التي تستغل كارثة منى للإساءة إلى السعودية والتحريض ضدها والاستخفاف بالجهود التي تبذل في خدمة الحرمين الشريفين ورعاية الحجاج خاصة، وإظهار إيران بصورة مضطهدة تكسبه التعاطف الدولي والشعبي. استخدام إيران للسينما في خدمة قضاياها باستغلال حادثة منى وبهذا العدد من الأفلام لم يأخذ من وقتها إلا عاما واحدا تستطيع من خلال قوة الصوت والصورة تمرير ما تريده بوسيلة إعلامية تقبل عليها الجماهير التي تشكل الرأي العام وتقويه بتأييدها سواء داخل إيران أو خارجها. وفي المقابل بعد مرور عام كامل على تلك الحادثة ماذا قدم الإعلام السعودي؟ لا شيء إلا ما سيقدمه بالعادة خلال أيام الحج فقط أو ما تنقله عبر وكالتها الرسمية من أخبار وبيانات.

ليست قضيتنا مع إيران هي الوحيدة التي تحتاج للمكاشفة الصادقة وإظهار الحقائق والتصدي للإساءات التي تتوالى على الوطن وآخرها التشريع الذي أقره مجلس النواب الأميركي يوم الجمعة الماضي يسمح فيه لأسر ضحايا هجمات 11 سبتمبر بمقاضاة الحكومة السعودية طلبًا لتعويضات، بالرغم من أن وثائق أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد برأت الحكومة السعودية رسميا. في مثل هذه الأمور التي تمس أمن واستقرار الوطن ونحن نعيش في فضاء مفتوح نحتاج إلى ثورة إعلامية تواكب العالم المتقدم، تحترم عقلية المشاهد وترضي فضوله المعرفي وتخرج من إطار الرتابة والقيود التي تحد من تقديم المختلف والمنافس، وتستخدم كل القوالب الإعلامية المتاحة الآن، وتستحدث غير المتاح منها لتأخذ مكانة تليق بمستوى هذا الوطن والجهود الأمنية والسياسية التي تبذل للدفاع عنه وتحسين صورته.

&