في الشرق الأوسط حاليا، هناك من يتبع نهج ترامب بكل وقاحة. المؤسف أن أوباما يعترض على المرشح الجمهوري في الولايات المتحدة، ويتغاضى عما تفعله إيران في المنطقة.
هناك عالم جديد اسمه عالم بناء السياسة على الكذب بعدما كان التغاضي عن الكذب في كلّ ما له علاقة بالسياسة من الأمور المتعارف عليها. كان الكذب يُعتبر استثناء وليس قاعدة للعمل السياسي. هذه نقلة نوعية على الصعيد العالمي ليست الدول الكبرى في منأى عنها، بما في ذلك الدول التي تحاضر في الأخلاق وتدّعي محاربة الإرهاب.
صار الكذب في هذه الأيّام في أساس السياسة. على سبيل المثال وليس الحصر، تقصف الطائرات الروسية وتلك التابعة للنظام السوري مدنيين سوريين ومدارس ومستشفيات وتدّعي موسكو والنظام السوري أن الهدف هو “داعش”. استثمرت الأجهزة التابعة للنظام السوري طويلا في “داعش” وصولا إلى يوم صار فيه مطلوبا أن يكون هذا النظام جزءا من الحرب على الإرهاب. هل من كذبة أكبر من هذه الكذبة التي اسمها مشاركة النظام السوري في الحرب على الإرهاب الذي هو في أساس تكوين هذا النظام؟
يصعب تحديد من وراء تلك النقلة النوعية. لكنّ أفضل من يمارس فنّ الكذب حاليا هو دونالد ترامب المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية الذي تنتقده إدارة باراك أوباما على الصعيد الداخلي، فيما تعتمد خارج الحدود الأميركية الأساليب نفسها التي يلجأ إليها ترامب!
كان مفيدا إشارة مجلة “الإيكونومست” أخيرا إلى المدى الذي وصله ترامب في الكذب. ففي عددها الصادر أخيرا والذي على غلافه عبارة “فن الكذبة”، تشير المجلة البريطانية، التي تعتبر بـين الأرقى في العالم، في مقال افتتاحي إلى أن ترامب يقول إن الرئيس باراك أوباما “زيّف” شهادة ولادته، وإنه وراء خلق “داعش”، وإن آل كلينتون “قتلة”، وإن والد أحد منافسيه كان إلى جانب لي هارفي أوزوالد عندما اغتال جون كينيدي في الثاني والعشرين من تشرين الثاني ـ نوفمبر 1963 في مدينة دالاس الأميركية…
لم تبخل المجلّة بالأمثلة التي تعطي فكرة عن عالم تجاوز فيه “فنّ الكذبة” كل حدود. تشير أيضا إلى أن المملكة المتحدة انسحبت من الاتحاد الأوروبي بعد استفتاء صدّقـت فيـه أكثـرية المواطنـين أن “جحـافل المهاجرين” ستغـزو بريطـانيا بمجرد انضمام تركيا إلى الاتحـاد.
أكثر من ذلك، صدّقت أكثرية في المملكة المتحدة أن خروج بـريطـانيا من الاتحـاد الأوروبي سيوفّـر عليهـا نحو 470 مليون دولار أسبوعيا. تبيّن بعـد إعـلان نتائج الاستفتـاء أن كـلّ الشعارات التي أطلقها مؤيدو “بريكسيت”، أي الخروج البـريطاني من الاتحـاد الأوروبي، ليست صحيحة بل لا علاقة لها بالواقع من قريب أو من بعيد. لم تعد توجد في الساحة السياسية البريطانية أي شخصية تدافع عن الخروج من الاتحاد الأوروبي وترفع الشعارات التي أخذت البريطانيين إلى حيث هم الآن. صار على وزير الخارجية الجديد بوريس جونسون، الـذي كان بين أبرز الداعين إلى الخروج من الاتحاد الأوروبي، أن يكون مجرّد متفرّج على المشهد المحيّر الذي تشرف على إدارته رئيسة الوزراء تيريزا ماي. لم تعد تيريزا ماي تجد ما تقوله سوى أنها ستشرف على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي، وأن لا مجال لاستفتـاء جديـد في وقت لم يعد أمام بريطانيا سوى البحث عن شركاء تجاريين جدد.
صار الكذب سياسة. نسي باراك أوباما فجأة أن ما يشكو منه في الولايات المتحدة تمارسه إدارته في أنحاء مختلفة من العالم. نسي أنّه وضع في العام 2013 “خطا أحمر” لبشار الأسد قبل استخدام الأخير للسلاح الكيميائي في حربه على الشعب السوري. ربّما نسي أوباما ما هو اللون الأحمر، وذلك بقبوله بأن يكون تابعا لفلاديمير بوتين في شأن كلّ ما له علاقة بسوريا.
يرفض باراك أوباما، وهذا ما لا تشير إليه “الإيكونومست”، أن إيران لا تختلف كثيرا عن دونالد ترامب. كيف يمكن تصديق أن المملكة العربية السعودية تتخذ موقفا من الحجاج الإيرانيين، فيما يشير الواقع إلى أن العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز يشرف، شخصيا، على راحة كلّ حاج، وهو يدعو صراحة إلى “رفض الغلو والتطرّف”، مؤكدا أن “المملكة ترفض رفضا قاطعا” أن تتحوّل شعائر الحج إلى “تحقيق أهداف سياسية أو خلافات مذهبية. فقد شرع الله الحج على المسلمين كافة دون تفرقة”. هل السعودية من هاجم إحدى القنصليات الإيرانية في المملكة أم إيران التي هاجمت القنصلية السعودية في مشهد والسفارة في طهران، وذلك في تاريخ لم يمرّ عليه الزمن بعد؟ هل من شاهد على أن السعودية ارتكبت أي خطأ في حق أي حاج، سواء أكان إيرانيا أم غير إيراني؟
في الشرق الأوسط حاليا، هناك من يتبع نهج ترامب بكل وقاحة. المؤسف أن أوباما يعترض على المرشح الجمهوري في الولايات المتحدة، ويتغاضى عمّا تفعله إيران في المنطقة.
على السعودية تحمّل كل أنواع الاستفزازات الإيرانية، بما في ذلك مقاطعة الحج والتهجّم على قيادة المملكة، فيما ليس ما يشير إلى أن هناك نيّة في اتخاذ موقف أميركي واضح من الممارسات الإيرانية التي هي خرق لكل القوانين الدولية ولكل ما له علاقة بسيادة الدول.
ماذا لدى الإدارة الأميركية تقوله عن الذي تفعله إيران في العراق؟ هل من كذبة أكبر من أنّ “الحشد الشعبي”، الذي هو كناية عن ميليشيات مذهبية عراقية تابعة لإيران، يحارب الإرهاب ويسعى إلى قيام دولة العدل والقانون والحرّيات في العراق؟
هناك مئة سؤال، على الأقل، يمكن طرحها في شأن الممارسات الإيرانية في المنطقة العربية بغطاء من إدارة أوباما. ماذا تفعل إيران في سوريا حيث تدعم نظاما أقلّويا عن طريق ميليشيات مذهبية لا تقلّ خطورة عن “داعش”. كيف يمكن للولايات المتحدة، بمشاركة روسيا، شنّ حرب على “داعش” وتجاهل هذه الميليشيات المذهبية المدعومة من إيران التي ليست سوى الوجه الآخر لتنظيم “داعش” وأخواته وإخوانه؟
إذا كانت إدارة أوباما تشكو من ترامب وكذبه، ليس طبيعيا أن تقبل بممارسات من النوع ذاته في الشرق الأوسط والخليج. من يرفض مدرسة ترامب في الولايات المتحدة، لا يمكن أن يقبل بها في مكان آخر، لا تجاه المملكة العربية السعودية أو البحرين ولا في العراق وسوريا ولبنان واليمن. هل تدرك إدارة أوباما معنى منع إيران لبنان من انتخاب رئيس للجمهورية مستخدمة سلاح ميليشيا مذهبية لا أكثر؟
هناك تورّط إيراني في العمق في اليمن. هناك صواريخ باليستية تطلق من الأراضي اليمنية في اتجاه السعودية التي يتبيّن كل يوم كم كانت محقّة في قيادة “عاصفة الحزم”، وذلك من أجل تدمير المشروع الإيراني في اليمن. ألا تعرف الولايات المتحدة مصدر هذه الصواريخ التي وصلت للحوثيين؟
إلى متى يبقى الكذب سياسة؟ إلى متى سيظل في استطاعة مجلة مثل “الإيكونومست” الكلام عن “فنّ الكذبة”؟ هل هذا شعار العالم الجديد الذي دخلناه، عالم وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت من دونالد ترامب يمتلك أحد عشر مليون متابع على “تويتر”، فيما في استطاعة إيران القول إنّها شريكة في الحرب على الإرهاب، إلى جانب النظام السوري وروسيا فلاديمير بوتين؟
هذا ليـس عالمـا جديدا تقـوم فيه السيـاسة على الكذب، بمقـدار مـا أنّه عـالم غريب لم تعد فيه أيّ حدود، من أي نوع، للوقاحة…
إعلامي لبناني
خيرالله خيرالله
التعليقات