عبد الرحمن الحبيب

 بعد جحيم الهجوم العسكري الروسي الذي أسقط حلب، يبدو الروس على عجلة من أمرهم ويسابقون الزمن من أجل حصادهم السياسي، عبر نشاط تفاوضي محموم، مقدمين تنازلات نسبية لإرساء حل سياسي بين أطراف النزاع تضمنه روسيا مع تركيا.. فلماذا الروس مستعجلون؟

في تقديري، هناك عدة أسباب، أولها هو استباق قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة بأسرع ما يمكن لفرض أمر واقع يصعب تجاوزه، خاصة أنّ الاتفاق يهمش دور أمريكا ويرسخ النفوذ الروسي الجديد.. إذ ليس مؤكداً أن تتساهل الإدارة الجديدة تجاه النفوذ الروسي في المنطقة، بمثل تساهل الإدارة الحالية التي أكثر ما يعنيها داعش والقاعدة، رغم أنّ تعليقات الرئيس الأمريكي المنتخب تنصب على نفس التركيز لمواجهة الجماعات المتطرفة..

الثاني هو الخشية من بداية استنزاف القوة الروسية، فحتى بعد سقوط حلب لا تزال فصائل المعارضة قوية؛ إضافة للخشية من بداية نوع جديد من الصراع عبر ما شهدناه من اغتيال السفير الروسي لدى تركيا وسقوط الطائرة الروسية، فضلاً عن تكرر استهداف السفارة الروسية في دمشق أحدها يوم إعلان الاتفاق. السبب الثالث، وهو أمر نمطي معتاد، لجني ما يمكن قطافه من سقوط حلب عسكرياً بأسرع ما يمكن قبل تغير الوضع على الأرض..

ما هو الوضع الآن؟ قبل أيام أعلن عن اتفاق روسي تركي وموافقة أطراف النزاع على وقف إطلاق النار لمدة شهر، يليها المفاوضات السياسية لإرساء السلام في سوريا بين طرفي النزاع وهما الحكومة السورية والجماعات المعارضة. الروس أظهروا مرونة جديدة لحل وسط حسب منظورهم لتلافي العراقيل لهذا الاتفاق؛ فقد نقل الروس اعتراض كل من دمشق وطهران إضفاء أي شرعية على فصائل المعارضة، وإصرارهم على تسميتها «مجموعات مسلحة» وليس فصائل معارضة، بينما تلك الأخيرة تصر على تسمية نفسها «مقاومة».. كما تمسكت دمشق وطهران، برفض الاعتراف بفصيلي أحرار الشام وجيش الإسلام واعتبارهما تنظيمين «إرهابيين»، الأمر الذي لم توافق عليه موسكو، في تغيير كبير لموقفها السابق (العربية. نت)؛ فيما تعترض تركيا على مشاركة فصائل كردية في المحادثات.

ليس فقط الاتفاق يواجه صعوبات بل إنّ وقف إطلاق النار نفسه مشكوك فيه، إذ قيل إنه شامل باستثناء المناطق التي تسيطر عليها المجموعات المدرجة في قوائم المنظمات الإرهابية لدى مجلس الأمن الدولي، مثل داعش وجبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً المتفرعة من تنظيم القاعدة)، وهذا مقبول لدى الجميع، لكن ثمة استثناء آخر وهو منطقة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة وهي ذات أهمية استراتيجية نتيجة قربها من دمشق، فيما طلبت الفصائل المعارضة عدم استثناء هذه المنطقة، وقال ممثل عن أحرار الشام إنها إحدى النقاط الخلافية الرئيسية.. بالمقابل تصر دمشق وطهران على منع تبادل البضائع والشحن مع مناطق المعارضة، والاقتصار على تقديم المساعدات الإنسانية..

لكن ما الذي سيجنيه الروس من كل ذلك النشاط المحموم؟ إنها شهية الإمبراطوريات للنفوذ.. يقول مارك لوينثال المحلل السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية: «من الوضح أنّ بوتين يريد النفوذ، وأن يتم قبوله من جديد كقوة عظمى، وهو الآن قادر على إظهار ذلك بما أنّ الناس يظنون أنه كذلك».

لكن إذا انتقلنا لتفصيل أوضح سنجد أنه أصبح لروسيا في سوريا قاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية، تنافسان الأسطول السادس الأمريكي في منطقة البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، مع وجود معاهدة عسكرية بين موسكو وسوريا يشكِّل فيه الطرفان حلفاً عسكرياً يمكن روسيا من التمدد في سوريا، تستطيع الانطلاق منها عسكرياً ضد الدرع الصاروخي الأميركي، وعلى حدود الحلف الأطلسي. من الناحية الاقتصادية فلروسيا حق التنقيب عن الغاز في حقل اللاذقية الكبير، مُنح لشركة روسية تدفع للحكومة السورية، وتبيعه للدول الأوروبية منافسة قطر والجزائر..

ما هو الوضع المنتظر؟ يقول الرئيس الروسي إنّ الاتفاقات التي تم التوصل إليها «هشة وتحتاج لعناية خاصة وتعاون»، وأن روسيا وافقت على الحد من انتشارها العسكري في سوريا. فإذا تجاوزت هذه الاتفاقات هشاشته وعراقيلها، فالمحتمل أن تجمع روسيا الطرفين المتنازعين في مفاوضات تنتهي بحكومة وحدة وطنية حسبما يأمل الروس.

كيف سيكون شكل هذه الحكومة، إذا افترضنا إمكانية حصولها؟ الأمر لا يزال غامضاً، فهل سيتم استبعاد الأسد أم بقاؤه؟ وإذا بقي هل ستكون له صلاحيات مطلقة أم رئاسة رمزية لمرحلة انتقالية؟ هل ستتم مشاركة المعارضة بمناصب قيادية في الحكومة أم مشاركة اسمية؟ وهل سترضى المعارضة السورية ببقاء الأسد حتى لو رمزياً أو حتى لمرحلة مؤقتة؟

أسامة أبو زيد (الناطق باسم وفد الجيش السوري الحر المفاوض)، أكد في ختام مؤتمره الصحفي، بأنّ التزام المعارضة بالاتفاق مرهون بمدى التزام روسيا بهذا الاتفاق، وبالخطوات الجدية التي ستتخذها إزاء التواجد الإيراني، وختم قائلاً «أصابعنا ستكون على الزناد أثناء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار».. فهل ستسترخي هذه الأصابع للمصافحة أو تضطر لمواصلة إطلاق النار؟ الوقائع على الأرض لا تبقي إلاّ حيزاً ضئيلاً للتفاؤل بنجاح المحادثات المقبلة، وقبله نجاح وقف إطلاق النار.. وهذا ما ستوضحه التطورات في الأسابيع القادمة..