وليد أبي مرشد

رغم أن جديد لبنان قديمه، وقديم لبنان تقليده، عاد مطلب «الإصلاح» بقوة إلى الواجهة ليطرح شعارًا للمرحلة الراهنة وللعهد الجديد معًا.
لا يختلف لبنانيان على أهمية البدء بإصلاح ما يمكن إصلاحه في دولتهم قبل أن يصبح ما أفسده الدهر - والدهريون - علّة تستعصي على أمهر العطّارين. ولكن السؤال يبقى: من أين تبدأ عملية الإصلاح؟
قرار حكومة الرئيس سعد الحريري تعديل القانون الانتخابي بحيث يصبح أفضل تمثيلاً للبنانيين، بداية مريحة لأي خطة لإصلاح دولة ركيزتها الدستورية برلمانها المنتخب مباشرة من شعبها. ولكن ما يبدو من تركيز جدلي على أولويات التمثيل النسبي أو الأكثري أو الـ«ما بين بين» يغيّب عن أنظار القيمين على وضع القانون الانتخابي الجديد أهمية إنصاف «الطائفة» المغبونة أكثر من غيرها في لبنان: «طائفة اللاطائفيين» أو - كما تعرف في لبنان - جماعة العلمانيين الذين أثبتوا وجودهم في الشارع اللبناني إبان أحداث «الحراك المدني».
تمثيل العلمانيين ليس مطلوبًا، إنصافًا لهم فحسب، ولا احترامًا للشعار العريض لتعديل قانون الانتخاب (أي تأمين تمثيل أفضل لجميع اللبنانيين) ولا حتى تجاوبًا مع توصية اتفاق الطائف بإلغاء الطائفية السياسية وقصرها على مجلس للشيوخ... بل تطبيقًا، ولو جزئيًا، لنص المادة 95 من الدستور اللبناني (المعدلة بالقانون الدستوري الصادر في 21 سبتمبر/ أيلول 1990)، التي تدعو مجلس النواب إلى «اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائقية السياسية».
لم تكتفِ المادة 95 بالنص على إلغاء الطائفية السياسية بل حددت إطارًا عملانيًا للإلغاء في دعوتها إلى مقاربته «وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية تضم بالإضافة إلى رئيسي مجلس النواب والوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية»، أي من يمكن اعتبارهم ممثلين عن «الحراك المدني».
من رابع المستحيلات التسرع بإلغاء الطائفية السياسية في لبنان بشطحة قلم تثبت صحة المقولة القانونية: «من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه». وغير خافٍ أن نص الدستور اللبناني على إلغائها «وفق خطة مرحلية» يراعي واقع لبنان السياسي والاجتماعي معًا. ولكن، قبل أن تغوص عملية تعديل القانون الانتخابي في متاهات جدل معقد حول النظام النسبي والأكثري والمختلط، يحتاج إصلاح قانون الانتخاب إلى بادرتين تعززان جدية السعي لإصلاحه:
- ضم شخصيات «فكرية واجتماعية» مشهود بتجردها وخبراتها الدستورية إلى الهيئة الوطنية المكلفة وضع القانون الجديد علها تحول، قدر المستطاع، دون وضع قانون يفصّل على مقاس زعماء البيوتات السياسية - التقليدية والمستجدة.
- إعلان التوافق، مبدئيًا، على إتاحة فرصة التمثيل البرلماني للعلمانيين بحيث يتعايشون، مرحليًا، مع نواب التمثيل الطائفي أكان لأي إطار نظام نسبي أو أكثري أو جامع للاثنين معًا.
تحقيق هذا التمثيل لا يتطلب أكثر من تخصيص مقعد نيابي واحد في كل دائرة من دوائر التقسيم الانتخابي الجديد للبنان يجري الترشح له، وانتخاب نوابه، من خارج القيد الطائفي، أي يكون متاحًا لكل من يريد أن يمثل اللبنانيين وفق هويته الوطنية لا المذهبية.
قد يبدو تحويل العلمانيين إلى الطائفة التاسعة عشرة في لبنان، وجمعها تحت سقف برلمان واحد مع نواب القيد الطائفي بدعة سياسية لا يتحملها نظام لبنان البرلماني. ولكنه قد يغني اللعبة البرلمانية ويؤسس لموازين قوى سياسية من شأنها تخفيف حالات الاحتقان الطائفي التي ازداد تعرض لبنان لها في ظل الأوضاع الإقليمية الراهنة.. وفي نهاية المطاف سيكون التعايش العلماني - المذهبي في برلمان لبنان الامتحان المطلوب لقدرة لبنان على المضي قدمًا في تعهده الدستوري بإلغاء الطائفية السياسية.. أو تثبيت نظامه على قاعدة تمثيل أفضل.. للطوائف والمذاهب فقط.