عبدالله خليفة الشايجي

من أهم الأحداث التي شهدها عام 2016 الفوز غير المتوقع والصادم لرجل الأعمال ومطور العقارات صاحب الإمبراطورية المالية، دونالد ترامب، رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. والأهم في هذا الفوز ليس كونه يأتي برئيس من خارج المؤسسة السياسية التقليدية، بل ‬برئيس يعد ‬منتقداً حاداً لهذه المؤسسة.

صدم فوز ترامب أكثر الباحثين متابعةً للشأن الأميركي، خاصة بعد خسارته أمام هيلاري كلينتون في التصويت الشعبي، بفارق ينهاز 3 ملايين صوت. لكن ما يحسم سباق الرئاسة الأميركية، هو أصوات المجمع الانتخابي التي حصل منها ترامب على 306 أصوات، بينما المطلوب 270 صوتاً فقط لنيل الرئاسة.

سيصبح ترامب يوم 20 يناير الرئيس الـ45 للولايات المتحدة الأميركية، وتنتهي رئاسة أوباما بعد ثمانية أعوام من الحكم. ومنذ إعلان فوز ترامب وشروعه في تشكيل إدارته سال حبر كثير حول ما هو متوقع وما الذي سيتغير مقارنة بإدارتي أوباما وبوش الابن.

ترامب يُغيّر تضاريس السياسة الأميركية الداخلية ونظرة الأميركيين لأنفسهم، ويزيد من قلق الحلفاء والخصوم في الخارج، حيث يُنظر إليه كلغز بسبب عدم اليقين حول مواقفه وسياساته خلال الأعوام الأربعة القادمة، ولتصميمه على تفكيك ونسف جميع إنجازات أوباما التي يفاخر بها، خاصة قانون الرعاية الطبية الذي ساعد ملايين الأميركيين على نيل الضمان الصحي، وكذلك الاتفاق النووي المبرم مع إيران!

وتزيد تصريحات ترامب الإعلامية وتغريداته على «تويتر» وترشيحاته للمناصب القيادية (4000 وظيفة).. هامش القلق والمخاوف من مواقف وسياسات الإدارة الأميركية القادمة برئاسته. فترامب غير تقليدي، وهو يستخدم موقع «توتير» حيث يتابعه 19 مليون شخص، ليعبِّر عن مواقفه بوساطة تغريدات غالباً ما تهاجم خصومه، أو تمتدح بوتين، أو تقلل من فضيحة تدخل روسيا الإلكتروني للتأثير على نتائج انتخابات الرئاسة الأميركية لمصلحته.. وأخيراً حول وجود ملف بيد الاستخبارات الروسية يتضمن معلومات محرجة قد تُستخدم لابتزازه في بعض القضايا.. مما أثار الكثير من الانتقادات في وسائل الإعلام الأميركية التقليدية.

وفي الشأن الخارجي يبدو ترامب متناقضاً في تعاطيه مع بعض الملفات الشائكة، لاسيما بسبب عدم اليقين والتقلب في مواقفه وفي مواقف وتصريحات مرشحي إدارته لمناصب الخارجية والدفاع والأمن الوطني والأمن الداخلي، لاسيما تجاه المسلمين والإصرار على استخدام مصطلح «الإسلام الراديكالي» الذي رفضت إدارة أوباما استخدامه.

ومن أبرز ملفات الشؤون الخارجية الشائكة لإدارة ترامب، قوله بأن على حلفاء أميركا أن يدفعوا لها مقابل حمايتهم، مما يثير قلق هؤلاء الحلفاء، سواء في حلف «الناتو» أم في منطقة الخليج العربي. ولا يعارض ترامب امتلاك اليابان وكوريا الجنوبية للسلاح النووي، في مخالفة واضحة لسياسة أميركا طوال العقود السبعة الماضية ودورها في توفير المظلة النووية لهذه الدول!

ولا يرى ترامب أن دور أميركا هو تغيير الأنظمة، لذلك لا نتوقع منه ضغطاً لتغيير نظام الأسد في سوريا، بل ربما التعاون مع الأسد وروسيا وإيران في الحرب على «داعش»، رغم وصفه إيران بالدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم.

ومما يثير القلق حول مواقف ترامب وعده بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، الأمر الذي ظل الرؤوساء الأميركيون خلال عشرين عاماً الماضية يؤجلونه لأسباب تتعلق بالأمن الوطني.

وهناك رؤية ترامب للحرب على الإرهاب ومواجهة تنظيم «داعش»، والذي وعد بإزالته من الوجود. وهناك نظرته وإدارته حيال «الإسلام السياسي»، لاسيما بعد تقديم سيناتور في مجلس الشيوخ اقتراحاً بقانون يصنف جماعة «الإخوان المسلمين» منظمة إرهابية.

وهناك موقف ترامب من الاتفاق النووي مع إيران، والذي رفضه واصفاً إياه بالاتفاق الأسوأ في التاريخ، قبل أن يتراجع عن هذا الموقف، وإن وعد بإعادة النظر فيه وبإدخال تعديلات جوهرية عليه، وبالتشديد على تطبيق إيران بنود الاتفاق. وفي الوقت نفسه، حذّر قيادي في إدارة ترامب القادمة من أنشطة إيران ودورها في الشرق الأوسط وما تشكله من تهديد لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية.

هذه التغييرات الكبيرة في الداخل، والفوضى والقلق وعدم اليقين والتشكيك في الخارج، لاسيما من قبل الحلفاء والخصوم في الخارج.. هي أهم سمات إدارة ترامب القادمة وأكثرها وضوحاً.