سطام المقرن
الأمر يتطلب في هذه المرحلة إعادة النظر حول الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي، بحيث يتم التركيز على تعليم الطلبة كيف يتعلمون وكيف يناقشون ويفكرون، فذلك كفيل بنشر مبادئ ومفاهيم الإسلام المدني المعتدل
بعيداً عن البحث في ظاهرة الصحوة في سياقها السياسي والتاريخ الاجتماعي فهو ليس بموضوعنا حالياً رغم أهميته في ذاته، إلا أن تأثير التعليم على جيل الصحوة بالتحديد أو من عاش تلك المرحلة تعتبر من الأمور المهمة التي تحتاج إلى قراءة فاحصة وناقدة ومراجعة متأنية لها.
لقد نشأ لدينا جيل في الوقت الحاضر لم يعش التفاصيل الكاملة لحالة الصحوة، ولم يدرك رموزها، ولم يتدرج في محاضنها ومعاركها، ومع ذلك لا ننفي تأثير الصحوة على هذا الجيل على وجه من الوجوه بالرغم من الانفتاح المعلوماتي الهائل الذي نعيشه اليوم.
لو تأملنا في الأدوات المعرفية والتعليمية المشكلة لجيل الصحوة آنذاك، فسوف نلحظ أنها تتمثل في المدارس أولاً، فالتعليم كان من أهم الأدوات المؤثرة على ذلك الجيل، وكما هو معلوم فإن المناهج الدينية في المدارس تشكل النسبة الأكبر، وتعتمد في الأساس على أيديولوجية المعلم أو المعلمة وتوجهاتهم ومعتقداتهم، وبالتالي يتعرض الطلاب أو الطالبات لقصف تبليغي وتلقيني بحيث تصنع لهم أيديولوجية دينية متشددة أو متطرفة، ومن هنا انطلق قادة ومفكرو جيل الصحوة.
فعلى سبيل المثال كان يتعلم الطالب أو الطالبة بعض الفتاوى المتشددة مثل حرمة التصوير والرسم لأنها تشبه بالخالق، وعندما يضطر الطالب إلى رسم صورة إنسان فلابد من وضع خط فاصل بين الجسم والرأس، كما لا يجوز سماع الأغاني والموسيقى، لأنها بريد الزنا وتدعو إلى الفسق والفجور، ويوم القيامة يعذب سامع الموسيقى بصب الرصاص الحار والمذاب في أذنيه، ولا يجوز التصفيق لأنها من عادات الجاهلية، ويجب استبدال هذه العادة بالقول «الله أكبر» فقط، ولا يجوز مشاهدة المسلسلات والأفلام السينمائية، لأنها تحتوي على التبرج والاختلاط وتدعو إلى السفور، وبعد هذه الجرعات التعليمية المتشددة يعود الطالب أو الطالبة إلى المنزل ليقوم بتمزيق الصور الفوتوغرافية التذكارية، وتكسير أشرطة الفيديو والكاسيت، ومنع مشاهدة المسلسلات التلفزيونية، وإلقاء المواعظ على والديه.
أما بالنسبة لدروس التاريخ، فلا يفهم الطالب أو الطالبة من التاريخ سوى حفظ أسماء المعارك والفتوحات الإسلامية وتواريخها وأعمال الخلفاء فقط، فالتاريخ مغلف بالمثالية والتقديس، ثم إن هذه الفتوحات تعرض على الدارسين عرضا تمجيديا وجدانيا، فهي لا تقدم باعتبارها أحداثا تاريخية لها ظروفها وملابساتها، بل هي فتوحات انتصر فيها المسلمون على الكفار والمنافقين، أو قوى الخير على قوى الشر، وعلى هذا الأساس انتشرت فكرة الجهاد في سبيل الله، فيقوم الطلبة بعدها بصنع ألعابهم على شكل سيوف ورماح، وتقسيم أنفسهم في مجموعتين، مجموعة المسلمين ومجموعة الكفار!.
وفيما يتعلق بالمرأة، تتعلم الطالبة أن النامصة والمتنمصة والواصلة ملعونة يوم الدين، ويجب أن تخضع لزوجها، كما يتعلم الطالب أن خروج المرأة من البيت يتلبسها الشيطان وبمساعدة النساء يستطيع تحقيق مقاصده وإنجاز مهمته في إغواء البشرية وبث الشرور والفتن في المجتمع، وبالتالي من يسمح لنسائه بالخروج أو كشف وجوههن فهو ديوث لا يغار عليهن.
وبخصوص الأنشطة الطلابية في المدارس، فقد سيطر أتباع الصحوة على الإذاعة المدرسية، فيبثون من خلالها الأناشيد الإسلامية التي تحث على الجهاد، وتنتقد التيارات الفكرية الأخرى، كما تبث أيضاً المحاضرات الدينية لقادة ومفكري الصحوة، بالإضافة إلى مقاومة المسرح المدرسي ومنعه، وليس هذا وحسب، بل كانت جماعة التوعية الإسلامية هي التي تحظى بأكبر عدد من الطلاب عن باقي الجماعات الطلابية الأخرى، مثل جماعة الرياضيات والعلوم وجماعة اللغة العربية، كما أنها الجماعة الوحيدة التي تقوم بالرحلات المدرسية، وإقامة المسابقات الثقافية والأنشطة الصيفية، وإقامة الندوات والمحاضرات في المدارس لقادة ومفكري الصحوة!.
أما بالنسبة لقراءة الكتب والتعامل مع الآخر، يتعلم الطالب أو الطالبة أن هذه الكتب هي كتب بدع وضلال، أو كتب شرك وخرافة، أو كتب تتعلق بالأديان الأخرى التي طالها التحريف، أو كتب الإلحاد والنفاق، وبالتالي لا يجوز إلا «لمتأهل في العلم الشرعي، يريد بقراءته لها الرد عليها وبيان فسادها، أما أن ينظر ويقرأ فيها من لم يتحقق بالعلم الشرعي فغالبا ما يناله من هذه المطالعة شيء من الحيرة والغواية، وقد وقع ذلك لكثير من الناس وحتى من طلبة العلم، حتى انتهى بهم الأمر إلى الكفر والعياذ بالله».
وعلى هذا الأساس يتم تأصيل فكرة امتلاك الحقيقة بكاملها لدى الطالبة أو الطالب وأن غيرهم على باطل، فيتهمون كل رأي مخالف لرأيهم بأنه انحراف عن الإسلام، وهذا أدى إلى تأصيل التبعية والوصاية الفكرية على الناس، بالإضافة إلى نشر العداوة والبغضاء بين المذاهب والأديان الأخرى، ناهيك عن التخوف من الأفكار الجديدة التي تهدم بطبعها مزاج التسليم والانقياد، ناهيك عن التخويف من الغزو الفكري والثقافي ومن الغرب ومن المنظمات السرية كالماسونية وغيرها.
ومما سبق، يتضح كيف تم استغلال التعليم في بث الأفكار المتشددة إلى جيل الشباب والشابات حتى ظهر ما يسمى جيل الصحوة، الأمر الذي يتطلب في هذه المرحلة إعادة النظر حول الكفاءة الداخلية للنظام التعليمي، بحيث يتم التركيز على تعليم الطلبة كيف يتعلمون وكيف يناقشون ويفكرون وكيف يبحثون ويدرسون بدلاً من التلقين والحفظ وأسلوب التشدد والصرامة معهم، فذلك كفيل بنشر مبادئ ومفاهيم الإسلام المدني المعتدل.
التعليقات