هادي اليامي

سيؤكد شعب سورية البطل أن مزاعم الملالي بالسيطرة على أربع عواصم عربية ما هي إلا أحلام يقظة، مصيرها إلى الزوال، وأن بلاد العرب لن ترضى بالدوران في فلك الفرس

تسارعت خلال الأيام الماضية التطورات الخاصة بإيجاد حل للأزمة السورية، وشهدت تزايدا في الاتصالات بين مختلف القوى العالمية المؤثرة، إضافة إلى كافة أطراف الأزمة. فلم يكد يتم الإعلان عن قمة سوتشي الثلاثية التي جمعت رؤساء روسيا وتركيا وإيران، بعد اتصالات مكثفة بين الرئيسين ترمب وبوتين، حتى خطت المملكة العربية السعودية خطوة بالغة الأهمية والتأثير، سيكون لها دور كبير في إنجاح المساعي الرامية إلى التوصل لتسوية سياسية نهائية لأسوأ أزمة إنسانية يشهدها العالم المعاصر، وفقا لوصف الأمم المتحدة، وذلك عندما استضافت فرقاء المعارضة السورية، وهيأت لهم أفضل السبل للتحاور من أجل تكوين وفد موحّد يمثلهم في قمة مؤتمر جنيف التي انطلقت مؤخرا، مع مساهمة إيجابية في بعض الأحيان، لتقريب المواقف، وإزالة أسباب الاحتقان، وهو ما أسفر أخيرا عن الاتفاق على صيغة مقبولة من الجميع، وتكوين وفد مشترك، على أساس بدء الحوار مع النظام دون شروط مسبقة من الطرفين، والتمسك بالثوابت التي توافق عليها معظم السوريين بضرورة رحيل الطاغية بشار الأسد، وكافة من تلطخت أياديهم بدماء المدنيين الأبرياء.
لم تتوقف التطورات عند هذا الحد، فاللقاء السري والمفاجئ الذي جمع الرئيس الروسي بالأسد في سوتشي قبل بدء القمة الثلاثية، والذي لم يتم الإعلان عنه إلا بعد انتهائه، بدأت تتضح حقيقة الهدف منه، وتكشفت أسراره، وبات أن الهدف الرئيسي منه هو إبلاغ الطاغية بأن أيامه في الحكم باتت معدودة، وأن المستقبل القريب سوف يشهد انزواءه من المشهد السياسي، غير مأسوف عليه، تلاحقه لعنات الأطفال الأيتام والنساء الأرامل والشيوخ المنهكين. وتجلى ذلك في وصول نائب الرئيس ووزير الخارجية الأسبق فاروق الشرع، الذي انسلخ عن النظام بعد تفجّر الأزمة، بصورة مفاجئة إلى دمشق، بضمانة أميركية روسية، واجتماعه بالأسد لبحث كيفية الانتقال إلى عهد سياسي جديد، يتولى مسؤوليته بنفسه، ولا يكون فيه للأسد دور فعلي، وإن كان البعض قد أبدى تخوفه وتشاؤمه من تصريحات الرئيس بوتين بأهمية وجود الأسد في المرحلة المقبلة، وأن الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره، فهي تصريحات من الواضح أن الهدف منها محاولة حفظ كرامة الدكتاتور، وتسهيل خروج مناسب له يحفظ ما تبقى من ماء وجهه، على أن يبقى في السلطة بدون صلاحيات حقيقية، وتنتقل السلطات إلى الشرع الذي ستتركز مهمته في قيادة حكومة تمهد إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة بإشراف الأمم المتحدة.
روسيا التي يتظاهر سياسيوها بمواصلة دعم نظام الطاغية، باتت مشغولة بكيفية التوصل إلى خروج مشرف من المستنقع السوري، لاسيما بعد اكتمال هزيمة تنظيم داعش رسميا، وهو ما ألمحت إليه تصريحات رئيس أركان جيشها، فاليري غيراسيموف، خلال الأسبوع الماضي بأن بلاده ستقلل وجودها العسكري في سورية خلال الفترة المقبلة، فالفاتورة التي تتحملها موسكو نظير تدخلها العسكري في سورية تتفاقم يوما بعد آخر، ماديا وبشريا وسياسيا، ولم يكن الأمر مجرد نزهة كما توهمت في البداية، فيما يكتفي حليف الأسد الآخر، النظام الإيراني، بالوقوف موقف المتفرج في انتظار القضاء على المعارضة المسلحة وخروج الروس، على أمل أن يتمكن من قطف ثمار ذلك التدخل، ويفرض أجندته ويحقق أهدافه، في انتهازية واضحة تتناسب مع طبيعة نظام الملالي، وهو ما لن تسمح به روسيا تحت أي ظرف. وبعد الاتفاق بين موسكو من جهة وواشنطن وبقية الدول الغربية من جهة أخرى، على حتمية مغادرة النظام السوري وخروج كافة المقاتلين الأجانب، لن يكون بمقدور طهران سوى الخروج من سورية، ومعها كافة ميليشياتها الطائفية التي أجَّجت الأزمة، وزادت اشتعالها، أو الدخول في مواجهة مفتوحة ومباشرة مع العالم بأسره، وفي مقدمته روسيا، وهو ما لن يجرؤ نظام الخميني على القيام به، فهو يدرك جيدا أن موسكو لن تقبل باستمرار حالة الفوضى والتقاتل في سورية، حتى لا تكون مهمتها قد باءت بالفشل، وانتهت إلى لا شيء.
المملكة كانت حاضرة دوما ومتابعة لكافة تفاصيل التطورات الأخيرة، ولاعبا رئيسيا ومؤثرا لا يمكن تجاوزه في صيغة الحل النهائي، فالرئيس بوتين حرص قبل انعقاد قمة سوتشي على إجراء اتصال هاتفي مطوَّل مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ناقشا فيه كيفية إنهاء الأزمة، والخيارات المتاحة، وضمان خروج الميليشيات الأجنبية. وبعد انتهاء القمة سارع الرئيس التركي إردوغان إلى إجراء اتصال مماثل بالملك، أطلعه خلاله على ما تم التوصل إليه. كما أشاد رؤساء الولايات المتحدة وروسيا وتركيا بالدور السعودي البارز في دفع قادة المعارضة السورية إلى التوافق على ما سيؤدي إلى إنجاح مفاوضات جنيف. وكعادتها اتبعت القيادة السعودية سياسة العمل في صمت، ولم تملأ الدنيا ضجيجا كما يفعل الآخرون، بعد أن نجحت في توحيد الثوار، وواصلت دورها الإيجابي في دفع الأمور نحو التسوية السياسية.
المطلوب من القوى الدولية الفاعلة أن تدعم الحراك السياسي المتسارع في الوقت الحالي، وأن تسهم في إنهاء 
هذه الأزمة الوحشية، وعلى روسيا – إن أرادت البقاء كدولة عظمى - أن تواجه بالحسم كله محاولات التسويف التي يتبعها وفد الأسد، فقد آن لهذه المأساة أن تضع أوزارها. وأيا كانت السيناريوهات فسوف تنتهي أزمة سورية يوما ما، وسيرجع الشعب الأبي العزيز إلى مدنه وقراه، يعيد إعمارها وإنماءها، وسيظل يذكر من أذاق أبناءه سوء العذاب، وحرض الطاغية الذي يفتقد القدرة على اتخاذ القرار، كي يقصفهم بالأسلحة الكيماوية التي حصدت أرواح أطفالهم ورمّلت نساءهم، وملأ بلادهم التي كانت ذات يوم أرض الخضرة والمياه والجمال بأدوات الموت وفلول المرتزقة الطائفيين، وفعلوا كل ذلك بحثا وراء أوهام إمبراطورية غاربة، وسيؤكد شعب سورية البطل أن مزاعم الملالي بالسيطرة على أربع عواصم عربية ما هي إلا أحلام يقظة، مصيرها إلى الزوال، وأن بلاد العرب لن ترضى بالدوران في فلك الفرس، فتلك حقيقة ثابتة تؤكدها صفحات التاريخ، وتثبتها تقلبات الأيام.