سمير عطا الله

أعلنت حكومة الشيخ جابر المبارك، مجتمعة، «رؤية 2035» وخلاصتها الانتقال من الاقتصاد شبه الريعي، القائم على الثروة النفطية، إلى الاقتصاد العملي القائم على عدد من البدائل. وتقوم هذه البدائل على الطاقات البشرية والأسواق المالية واجتذاب الرساميل والاستثمارات، باعتبار أن الكويت، مثل معظم الخليج، ثروتها الطبيعية الوحيدة هي النفط.


قبل الكويت شرحت السعودية «رؤيتها» للعصر الاقتصادي القادم، وخلاصتها أيضًا السعي من أجل بدائل لثروتها النفطية الضخمة، وهذا يعني تغيرًا جذريًا في إيقاع المجتمع الخليجي، الذي اعتاد، منذ نصف قرن، ما عوّده عليه الإيقاع العالمي، من الاعتماد شبه المطلق على النفط. هل التغير نبأ حسن؟ لا. السهولة أفضل. والراحة أفضل من التعب.
لكن الحقيقة أكثر أهمية من الاثنين. لا يمكن ترك مستوى المعيشة ينهار، وحركة التقدم تتراجع، بمجرد تغير لا إرادي في سعر سلعة رئيسية. ومن الشاعرية الرومانسية، لكن ليس من العملي إطلاقًا، القول: ماذا يهمني من الأمر، فسوف أعيش كما عاش أجدادي. لا أحد منا يستطيع أن يعيش كما عاش أجداده من دون كهرباء وطرقات ووفرة مياه ووفرة جامعات ومستشفيات. هذا أمر سهل أن يُكتب. لكن الذي يكتبه لن يقبل أن يجربه يومًا واحدًا.
كل عملية انتقالية صعبة. كل شيء فيها صعب لأنه غير معتاد. كانت تقارير الأمم المتحدة الرسمية في الستينات تقول إن «الضمان من المهد إلى اللحد» موجود في دولتين: السويد والكويت. كم كان عدد سكان الكويت يومها؟ وكم كانت كلفة الحياة آنذاك؟ الذي لم تقله التقارير إن الكويت أقامت دولة توظيف، أكثر من 80 في المائة من اليد العاملة كانت موظفة في الدولة. وكان فائض الموازنة السنوية يومها يوفَّر للسنوات التالية. الآن الموازنات في عجز. والبطالة شديدة. ولم تتردد نائبة في مجلس الأمة في مهاجمة «الوافدين». وتعاني الدولة من مشكلة اجتماعية أخرى تُعرف بأهل «البدون».
فيما تناقص دخل النفط إلى نسب مقلقة، تضاعف كل شيء في البلاد بنسب مفزعة، خصوصًا في تزايد السكان. وأدّت سياسات التوفير والاحتراس إلى نتائج معاكسة، فكان أن تراجعت مرتبة الكويت كمركز مالي واقتصادي من الموقع الأول، خصوصًا بعد الغزو. وفي «رؤية 2035» تطلعٌ إلى أدوار قامت بها من قبل دبي والبحرين وقطر. وأيضا عودة إلى أدوار كانت لها، يوم تحولت إلى مركز مصرفي وإعلامي، إضافة إلى مكانتها السياسية.
كانت حكومات جابر المبارك عنوانًا. لكن حكومته تنتقل الآن من الاستقرار إلى التحدي المستقبلي الذي ترددت الدولة أمامه طويلا، يعيقها برلمان مصاب بعقدة الاستجواب.. .