سلمان الدوسري

 «في دهاليز الإدارة الأميركية الكلمات التي تعبر عن الحقيقة نادرًا ما تنطق»، هكذا يشرح جورج تينت المدير السابق للاستخبارات الأميركية، من خلال مذكراته «في قلب العاصفة.. سنواتي في الـ(سي آي إيه)»، كيف يتعامل مسؤولو بلاده في التعاطي مع الحقيقة. يمكن القول إن إدارة الرئيس السابق باراك أوباما خير من طبق هذه السياسة مع حلفائها الرئيسيين بالمنطقة، غير أن المسؤولين الأميركيين في ظل الإدارة الجديدة، يبدو أنهم لن يسلكوا مسلك زملائهم السابقين، فقد قال وزير الأمن الداخلي الأميركي جون كيلي، قبل أيام، في شهادة لافتة أمام الكونغرس، عن خفايا الدور الأمني والاستخباراتي الذي تقوم به الرياض لمكافحة الإرهاب، إن السعودية «لديها قوة شرطة فاعلة وجهاز استخبارات يمكننا العمل معه»، موضحًا أن أهم أسباب عدم إدراج المملكة ضمن قائمة الدول السبع الممنوع مواطنيها من دخول الولايات المتحدة، ببساطة لأن «لديها استخبارات جيدة جدًا وشرطتها تقوم بعمل جيد جدًا»، هل يمكن القول إن هذه الشهادة مفاجأة؟! بالطبع لا بقدر ما هي ضرورة سياسية تكشف أمام العالم عن حقيقة الدور السعودي في مناهضة الإرهاب.
ولأن هذا الأسبوع كان حافلاً في التأكيد على البصمة السعودية في تعزيز الأمن والاستقرار الدوليين، فإن ميدالية «جورج تينت»، التي تسلمها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف أول من أمس، وقدمتها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب ونظير إسهاماته غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين، لم تكن جائزة تقديرية أو شرفية لها قيمتها الدولية فحسب، بل هي ببساطة شهادة اعتراف من أقوى دولة في العالم بأهمية الدور السعودي على المستوى الدولي، فالمملكة تشكل جزءًا حاسمًا في الحرب الدولية لمحاربة الجماعات الإرهابية وشريكًا لا غنى عنه للولايات المتحدة، التي تعي أن دورها لا يتوقف عند تقديم الدعم لحليفها الاستراتيجي فقط، وإنما يصب قبل ذلك في حماية الأمن القومي الأميركي من الخطر الإرهابي المتنامي، خصوصًا أن الرياض تشكل حائطًا حديديًا يصد كثيرًا من محاولات تصدير الإرهاب للغرب.


تشير الأرقام الرسمية لوزارة الداخلية السعودية إلى أن 128 هجومًا إرهابيًا ضرب المملكة في عام 2016، وهو ما تسبب في مقتل وإصابة 1147، فالسعودية هي الدولة الأولى بالمنطقة التي تستهدفها الجماعات الإرهابية، وفي الوقت نفسه، ويا للعجب، تواجه اتهامات مضللة وباطلة بدعمها الإرهاب. معادلة لا يمكن أن تستقيم بينما أكبر تنظيمين إرهابيين بالعالم، «داعش» و«القاعدة»، استراتيجيتهما قائمة على ضرب عدوهما الأول ألا وهو السعودية، واستباحة أراضيها وقتل مواطنيها، ولعل ما كشفه جورج تينت ذاته بأن بن لادن سعى لإنتاج غازات سامة لإطلاقها على القوات الأميركية في السعودية، واحد من الوقائع التي تشير إلى أن السعودية أكبر المتضررين. غني عن القول إن كل الاتهامات الصادرة بحق السعودية لا تصدر بتاتًا عن الأجهزة الأمنية في الدول الغربية، فهم يعلمون جيدًا ما الذي فعلته الرياض، ليس فقط في سبيل مناهضة الإرهاب على أراضيها، بل حماية الأمن القومي لهذه الدول، فكثيرًا ما منعت المعلومات الاستخباراتية السعودية عمليات إرهابية في دول غربية، وهو ما أكده الأمير محمد بن نايف بأن بلاده اكتشفت «كثيرًا من المخططات الإرهابية التي أُحبطت قبل وقوعها، بما في ذلك عمليات كانت موجهة ضد دول صديقة»، وهي المعلومة نفسها التي كشفتها رئيس الوزراء البريطانية، تيريزا ماي خلال قمة مجلس التعاون الأخيرة في البحرين، عندما قالت إن المعلومات التي تلقتها بلادها من الجانب السعودي أدت إلى إنقاذ المئات من أرواح الأبرياء في بريطانيا، وهنا نتذكر واحدًا من أكثر الأمثلة وضوحًا على الدور السعودي في مكافحة الإرهاب، عندما أحبطت عملية تفجير طائرة للبضائع خطط لها تنظيم القاعدة في جزيرة العرب عام 2010، وفقًا للقصة التي نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز»، عندما قدمت الاستخبارات السعودية معلومات حاسمة للاستخبارات الأميركية والأوروبية، التي سمحت لأفراد الأمن البريطانيين والإماراتيين باعتراض قنبلة مخبأة بدقة كانت بالفعل في طريقها إلى الولايات المتحدة.
العلاقات الدولية لا تبنى على أساس عاطفي، بقدر ما تبنى على المصالح المتبادلة، والشراكة بين الرياض وواشنطن كانت عنوانًا رئيسيًا لحلف استمر ثمانين عامًا، وتربط بينهما علاقات صداقة وثيقة وتجمعهما مصالح استراتيجية متعددة منها تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، والمحافظة على استقرار أسواق النفط والعمل على استقرار الاقتصاد الدولي ومحاربة الإرهاب. والأكيد أنه من مصلحة الولايات المتحدة، كما من مصلحة السعودية، الإبقاء على علاقة وطيدة ووثيقة بين حليفين وشريكين استراتيجيين.