عبدالله المطيري

ماذا لدى الفلسفة لتقوله عن الإرهاب؟ ما الذي يمكن أن تقدمه بشكل خاص عن الإرهاب، يختلف عما تقدمه العلوم الأخرى، كالعلوم السياسية والاجتماعية؟ كان هذا السؤال أحد محاور جدول أعمال حلقة الرياض الفلسفية «حرف» الأسبوع الماضي.

تصدى لهذه المهمة الدكتور عبدالرحمن الحبيب، في ورقة عنونها بـ«موقف الفلسفة من الإرهاب». الورقة كانت طرحا لمواقف ثلاثة من أشهر الفلاسفة الذين ناقشوا الإرهاب في السنوات الأخيرة الماضية: هابرماس، ديريدا، بودريار. سأقتبس هنا من الحبيب إشارات دالة على مواقف الفلاسفة الثلاثة. «حسب هابرماس، العنف في المجتمعات الغربية سببه عدم المساواة الاجتماعية والتمييز والتهميش، أما العنف في الثقافات الأخرى فيرجع إلى أولئك الذين أصبحوا معزولين ومنقطعين في البداية عن بعضهم الآخر عبر التخاطب المشوه منهجيا»، بينما نجد أن دريدا المرتعب من العولمة ودورها في الصراع «لا يرى إمكانية للعلاج الكامل، لأن الإرهاب عرض لازم من أعراض الحداثة أو ما يسميه (اضطراب المناعة الذاتية)؛ نتيجة الفصل الحاد والسريع بين الأبعاد الدينية والأبعاد العلمانية؛ ويتعين كشف أمراضها المدمرة وتشخيصها.. والحل الممكن هو التقدم ببطء وصبر في البحث عن علاج». وأخيرا «أما بودريار فيطلق مقاربة فلسفية صادمة.. فالنظام العالمي المهيمن يفتقد للعدو، لذا يعمل على خلقه بشكل مباشر أو غير مباشر.. كيف؟ العولمة هي نفي للاختلاف وللغريب وللبعيد.. نفي للآخر.. ومن هنا يتجلى عنفها، عنف يطارد كل أشكال الاختلاف والتفرد والخصوصية». 
أعلم أن الاقتباسات السابقة لن تعطي تصورا واضحا لمواقف الفلاسفة الثلاثة ولا لأطروحة الدكتور الحبيب، ولكنها تبقى إشارات يمكن أن توجه النقاش في هذا المقال. تعليقي على الأطروحات السابقة كان التالي: الإرهاب كما هو في الأطروحات الثلاث أعلاه لا يبدو لي على أنه الإرهاب الذي عشته كمواطن سعودي. يبدو أن التحليل أعلاه مناسب أكثر للتجربة الأميركية والأوروبية مع الإرهاب، أكثر منه للتجربة السعودية أو للتجارب السعودية. لذا بدا لي أن سؤال الفلاسفة الثلاثة كان: كيف وصل لنا الإرهاب؟ بدلا عن سؤال ما الإرهاب؟ أعزو هذا التفاوت للعلامات التالية: أولا أن الأطروحات الثلاث ركزت اهتمامها على الإرهاب كحدث، تحديدا ١١ سبتمبر، ولم تركز على الإرهاب كمفهوم يمكن استخدامه في فترات تاريخية سابقة على ١١ سبتمبر، أو في شروط اجتماعية وسياسية ودينية خارج الحالة الأميركية والأوروبية. ثانيا: التحليلات السابقة اتفقت على محورية العولمة في نقاش موضوع الإرهاب، بل إن بودريار جعل من التخلص من العولمة شرطا لمقاومة الإرهاب، كما عرض الدكتور الحبيب. هنا لابد من ملاحظة أن مناقشة العولمة في السياقات الأوروبية ذات الخلفيات الماركسية، تبدو قريبة من العقائد التي تمرر كثيرا بدون نقاش نقدي. العولمة في هذا السياق تبدو شرا محضا وآفة العصر باعتبارها وليدة الرأسمالية. في المقابل نستطيع قراءة العولمة من جهات أخرى بحيث تبدو بشكل مختلف. خذ مثلا المساحة التي حصلت عليها الثقافات الفرعية للتعبير عن نفسها بفضل ثورة الاتصالات الحديثة والتي نتجت عن العولمة. لم يمر في التاريخ أن أخذت الثقافات الفرعية فرصا للتعبير العمومي مثل ما حصل اليوم. لذا يمكن القول إن العولمة تدفع باتجاه التنوع كما تدفع باتجاه التشابه. الثقافات الفرعية اليوم وفي كل مكان في العالم تأخذ فرصا للتعبير والتوثيق جعلت من العالم يظهر بصورة بانورامية مفاجئة للمحافظين بشكل كبير. المحافظون الذين عاشوا على وهم المجتمعات التي تشابههم صحوا على صور جديدة لمجتمعاتهم تبرز الاختلاف والتنوع والتعددية. هذا المبروز لم يكن له ليظهر إلا من خلال ثورة الإنترنت وثورة التواصل الاجتماعي وتحرر الإعلام لصالح المنتج الفردي المباشر بين المرسل والمتلقي. هذه الصورة تعطي فكرة مختلفة عن العولمة أكثر عكسا للواقع من العقائد الماركسية. 
تحت تأثير محدودية نقاشات الفلاسفة الثلاثة بحثت عن طرح فلسفي يركز على مفهوم الإرهاب بدلا من تحيل أحداث إرهابية محددة. وباعتبار أن نقاش د. الحبيب لم يشمل نماذج من الفلسفة التحليلية فقد توجهت هناك للبحث. تقدم موسوعة ستانفورد الفلسفية مقالة مهمة للكاتب Igor Primoratz بعنوان «الإرهاب Terrorism” لن تكفي المساحة هنا لعرض أفكار الكاتب، ولكنني سأكتفي بمخطط مقالته. يقسم المؤلف النقاش لقسمين: مفاهيمي وأخلاقي. الأول يجيب عن سؤال: ما الإرهاب؟ ما الشروط الضرورية التي تتوافر في عمل ما لوصفه بأنه إرهابي؟ الثاني يسأل عن إمكانية وجود تشريع أو تبرير أخلاقي للإرهاب. بالنسبة للمفهوم يتحدث المؤلف عن استخدامات مختلفة في التاريخ للإرهاب وتفاوت الموقف منها، أما الشروط الموضوعية فيبدو أن الاتفاق يحوم حول الشروط التالية: لكي يكون الفعل إرهابيا فلا بد أن تتوافر الشروط الأربعة التالية: العنف، الترويع، القصد والتخطيط، ومدنية الضحايا. بالنسبة للتشريع الأخلاقي للإرهاب فيستعرض المؤلف مدارس فلسفية مختلفة، منها المدرسة العواقبية التي تحكم على العمل الإرهابي بناء على نتائجه، والمدارس غير العواقبية التي تحكم على العمل الإرهابي بناء على معايير ثابتة مثل حقوق الانسان. كذلك هناك مدارس ترفض الإرهاب مهما كانت أغراضه ونتائجه. 
أعتقد أن النقاش المفاهيمي للإرهاب، كما نقاش الإرهاب في ظروف سياسية واجتماعية ودينية مختلفة، يمكن أن يساعدنا على التفكير بشكل واسع ومنظم في ذات الوقت.