علي الشريمي

الإرهاب مرض فكري في الأساس، تمكّن في نفوس وعقول شباب متحمس، عندهم القابلية لاعتناق هذا الفكر الدموي الذي تم ترسيخه عبر منابر وأقلام عنصرية، ومؤسسات زرعت ثقافة الكراهية والتطرف

صحيح أن الإرهاب لا دين له ولا وطن ولا حضارة، وصحيح أن الكل مستهدف، ولكن السؤال: لماذا استهداف المسيحيين بالذات في مصر وبعض الدول العربية؟! 
جريمة الأحد الماضي في كنيستي مار جرجس بطنطا، ومار مرقص بالإسكندرية، كانت صادمة ومؤلمة، ليس فقط لأن عدد الشهداء فيها وصل إلى 50، إنما أيضا لأننا عشنا للمرة الثالثة في أقل من 4 أشهر 4 تفجيرات قاسية. 
ففي فبراير الماضي استهدف تنظيم داعش الإرهابي الأقباط في العريش، حيث قُتل 7 أقباط في المدينة خلال شهر، كان آخرها قتل مسلحين مواطنا قبطيا أمام أسرته بعد اقتحام منزله في حي الزهور بمدينة العريش ولاحقوا أسرته، وهو ما ترتب عليه فرار كثير من الأسر القبطية من العريش إلى الإسماعيلية. 
وفجّر مهاجم انتحاري نفسه في قاعة للصلاة بالكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في القاهرة، موقعا 25 قتيلا، معظمهم من النساء والأطفال وعشرات المصابين. 
وفي يوم احتفال المسيحيين في مصر بأحد السعف، استهدف تفجيرٌ كنيسة مار جرجس في مدينة طنطا أثناء الصلاة، مما أدى إلى مقتل 30 شخصا على الأقل وإصابة العشرات، وبعد ساعات من تفجير طنطا وقع استهداف جديد لكنيسة في الإسكندرية، حيث وقع انفجار أمام الكاتدرائية المرقسية وأدى إلى مقتل 11 شخصا على الأقل وإصابة العشرات. 
كنا فيما مضى نتكلم عن المعاملة غير العادلة تجاه المسيحيين، واليوم أصبحنا نتكلم عن حقهم في الحياة وفي البقاء وفي الأمن والأمان، إذا لم يكن هذا تردّيا وانتكاسا فماذا يكون؟! 
أعلنت «داعش» تبنيها التفجير، وأن المسيحيين أصبحوا أهدافا مشروعة للمجاهدين -على حد قولهم- وهذا ينقلنا إلى التساؤل الثاني عن أهداف «داعش» من استهداف المسيحيين في مصر، هل الهدف هو تخويفهم حتى يرحلوا، أم يريدونها فتنة طائفية تهز استقرار الدولة؟ 
هل لديهم أهداف سياسية أو مصالح مادية؟ ما مسؤولية المناخ الديني المشحون، وما مسؤولية مجتمعاتنا العربية والإسلامية عن تصاعد العنف ضد مسيحيي الشرق الأوسط؟ هل مجرد الإدانات الواسعة ستردعهم؟ هل الإجراءات الأمنية تضمن الحد من العنف؟ 
في الحقيقة، الإرهاب مرض فكري في الأساس، تمكّن في نفوس وعقول شباب متحمس، عندهم القابلية لاعتناق هذا الفكر الدموي الذي تم ترسيخه عبر منابر وأقلام عنصرية، ومؤسسات زرعت ثقافة الكراهية والتطرف والتكفير والتخوين في التربة المجتمعية، وما تعانيه مجتمعاتنا اليوم ما هو إلا بعض تجليات هذا الفكر المتطرف. 
المسألة في واقعها لا تنحصر في البعد السياسي أو المالي، إذ إن من يفجّر نفسه مسرعا إلى الجنة، إنما يفعل ذلك عن عقيدة راسخة تبرر له مفهوما خاطئا عن الجهاد في سبيل الله، هذه حقيقة لابد أن نعترف بها، علينا أن نعترف كذلك بأن لدينا مَواطن ضعف. 
أما من يتحدث عن المؤامرات والمخططات ورمي المسؤوليات على الآخر الخارجي، فهو يقفز على الحقيقة. القضية ليس فيها تنزيها للآخر الخارجي، وإنما هو علاج للداخل، بحيث يتم سد كل الثغرات التي ينفذ لك العدو خلالها، وبالتالي تكون الحلول قائمة على الأفعال وليست ردود الأفعال، وكما يقول المثل: «من كان بيته من زجاج فلا يرمِين الناس بالحجارة»، إلا إذا صار لدينا زجاج ضد الرصاص! 
الحل ببساطة، يكمن في إصدار وثيقة عربية وإسلامية لمكافحة الكراهية، بحيث تعطي ضمانة لتكافؤ الفرص لجميع الأقليات الدينية في المناهج التعليمية والمنابر الدينية، وكذلك في البث الإعلامي ومحاكمة كل مسيء لأي دين أو مذهب، وترشيد الخطاب الديني بحيث يتصدى الخطباء المعتدلون للدفاع عن الديانات والمذاهب. 
وهناك حكمة بليغة وعبقرية دشّنها قداسة البابا المصري تواضروس الثاني إبان التفجيرات التي استهدفت المسيحيين «وطن بلا كنائس أفضل بكثير من كنائس بلا وطن».