جميل الذيابي
إيران تتخبط. ليست مقولة جديدة. فقد ظلت إيران فاقدة البوصلة منذ اندلاع ثورة الخميني في عام 1979. لكن تخبطها بدا أكثر جلاء خلال الفترة الأخيرة، بعدما اتضح أن مرشد النظام علي خامنئي، الذي يتحكم بكل قرار تنفيذي، وتشريعي، وقضائي، أضحى في عزلة شبه تامة، بسبب معاناته من مضاعفات سرطان البروستات كما تقول غالبية التقارير والتسريبات الصحفية. ولأن المرشد ليس حاضراً في جميع الأوقات، صارت الصراعات الداخلية، والتشرذم، والتشظي أمراً واقعاً في الحياة السياسية الإيرانية.
ويبدو كما يرى المتحدث الإعلامي باسم منظمة مجاهدي خلق الإيرانية موسي أفشار، أن الخلافات الداخلية وتفاقم صراع العقارب يعكس هزيمة نظام الملالي في مواجهة أزماته المتزايدة الداخلية والخارجية ومن المجتمع الإيراني المحتقن.
ومن الواضح ولعل أبلغ دليل على ذلك إقدام الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد على إعلانه ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية، في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في مايو القادم، منافسا لدمية المرشد الرئيس حسن روحاني، الذي يستغله خامنئي واجهة بزعم أنه إصلاحي، لـ «تسليك» العلاقات مع الغرب، بعد إخضاع إيران للاتفاق بشأن برنامجها النووي. وكان نجاد أعلن نيته الترشح للرئاسة في سبتمبر 2016، فسارع المرشد إلى توجيهه بعدم ترشيح نفسه.
غير أن نجاد قرر في 11 أبريل الجاري أن يتحدى المرشد، وهو المرشد نفسه الذي كان يتولى الرئاسة تحت إمرته. وقال الرئيس السابق إن تعليمات المرشد إليه ليست سوى «نصيحة». وهو يدرك جيداً أنه لن يفوز. ليس لأنه لا يستطيع تزوير الانتخابات مثلما فعل المرة السابقة في 2009، ولكن لأن التزوير يتم بتعليمات من خامنئي والدائرة المقربة إليه من «الملالي» المتشددين. كما أن فرص فوزه ضئيلة لأنه يفتقر إلى الشعبية، فقد شهد الإيرانيون كيف أشرف بنفسه على قمع المتظاهرين، والتدخل في الانتخابات النيابية والبلدية وخرجت في عهده حركة «المعاصم الخضراء» التي عمت كل المدن الإيرانية آنذاك. كما أن تصريحاته السياسية المتهورة الخالية من الدبلوماسية وضعت إيران على شفير صدامات مع دول عدة، ليزيد وضع الشعب الإيراني ضغثاً على إبالة، وهو الشعب الذي ظل يتجرع علقم العقوبات الدولية منذ 1979 بلا انقطاع. ولا يزال الشعب الإيراني (80 مليون نسمة) يكتوي بنار العقوبات الدولية والغربية تحديدا، على رغم تخفيف بعضها عقب الاتفاق النووي «المهزوز» في عهد الرئيس الأمريكي السابق أوباما.
لا شك في أن إعادة نجاد ترشيح نفسه للرئاسة لا تعدو أن تكون «رغبة» العودة لدائرة الضوء. لكن من المؤكد أنه دليل على أفول نجم المرشد الأعلى، وعلى أنه لم يعد قادراً على الإمساك بكل الخيوط داخل بلاده كما كان. كما أن الشارع الإيراني الذي تلظى بنيران العزلة، والعقوبات، والحروب الخاسرة في سورية واليمن ولبنان والعراق، لن يمنح صوته لرئيس سابق يتوهم القدرة على إلحاق الهزيمة بجميع الدول وهو «المكروه» في بلاده!
الأكيد أن سياسات نظام الملالي الإجرامية لن تنتهي بين يوم وليلة بموت الشيطان خامئني لأن أمثاله في النظام الإيراني كثر، والمنفذون لسياساته كثر أيضاً.. ولكن وفاته ستضعفه نفسياً وستضعف البناء الهيكلي للنظام وتشخيصه وستدب بين رؤوسه خلافات عدة!.
التعليقات