فايز سارة

يكاد يتوافق المتابعون للسياسة الأميركية في القضية السورية على قول، إن سياسة واشنطن تدخل مرحلة جديدة في عهد إدارة ترمب وفق ما أبرزته الأشهر القليلة الماضية من مؤشرات، توزعت ما بين مؤشرات سياسية، وأخرى ميدانية جرى تكريسها في الواقع السوري وحوله.

ففي المؤشرات الميدانية، عززت واشنطن حضورها العسكري عبر خطوتين؛ الأولى أنها زادت عدد جنودها في سوريا من نحو خمسمائة جندي إلى ثلاثة أضعاف العدد، حسب المعلن، ونقلت مهمات جنودها هناك من دور المدربين والمستشارين لدى «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، حليفها الرئيسي، ليصير جنود واشنطن قوة مقاتلة، تلعب دورًا في نزاع الأطراف المقاتلة في الشمال السوري من جهة، وتتهيأ للمشاركة في الحرب على «داعش» في إطار معركة تحرير الرقة المرتقبة. والخطوة الأميركية الأخرى، قيام واشنطن بإطلاق صواريخها على قاعدة الشعيرات الجوية، التي انطلقت منها طائرات نظام الأسد لقصف مدينة خان شيخون بالأسلحة الكيماوية، وهي خطوة وصفتها واشنطن بأنها عقاب للنظام على استخدامه الأسلحة الكيماوية في الحرب على السوريين، وأكدت أنها ستكررها، إذا قام النظام باستعمال الكيماوي أو البراميل المتفجرة مجددًا ضد السوريين.

ولا يحتاج إلى تأكيد، أن المؤشرات الميدانية، تتعدى مجرياتها وحيثياتها، لتصبح دليلاً على تحولات السياسة الأميركية في القضية السورية من حيث تجاوزها السياق السابق الذي كّرسته إدارة أوباما، ليس في الحرب عسكري فاعل، طالما حاولت واشنطن القول إنها تتجنبه ولا ترغب فيه، كما أن المؤشرات الميدانية، تعكس على «داعش» الذي ظهر هدفًا أميركيًا طوال السنوات السابقة فقط، إنما أيضًا في تأكيد وجود أميركي رغبة واشنطن في دور جديد في القضية السورية، انتقالاً من دور المتابع إلى دور الفاعل المباشر الميداني والسياسي في آن معًا؛ الأمر الذي يتطلب إعادة بناء علاقات وتوازنات القوة بين الأطراف المتصارعة والمختلفة في القضية السورية وحول سوريا.

إن الأبرز في المؤشرات السياسية للتحول الأميركي في القضية السورية، يمثله التحرك الذي تتابعه إدارة ترمب، وجاءت في سياقه لقاءات ترمب مع مسؤولين كبار في الشرق الأوسط، بينهم العاهل الأردني وولي ولي العهد السعودي والرئيس المصري ورئيس الوزراء الإسرائيلي، وفي نشاطات وزيري الخارجية والدفاع ريكس تيلرسون وجيمس ماتيس على التوالي، حيث قام الأول بزيارته الأولى إلى موسكو التقى فيها الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف، وبحث معهما القضية السورية ومحيطيها الإقليمي والدولي، في حين توجه وزير الدفاع في جولة شرق أوسطية لإجراء مباحثات في السعودية وقطر ومصر وإسرائيل، تتناول بشكل رئيسي القضية السورية واحتمالات تطورها.

وكما هو واضح، فإن التحركات الأميركية في المستويين الميداني والسياسي، تهدف إلى تكريس خطة أميركية، تعالج القضية السورية وامتداداتها الإقليمية والدولية، تشمل في محتوياتها العامة، تصعيد الحرب على «داعش»، وتأكيد أن الهدف الأساسي إلحاق الهزيمة به، وإحداث تبدل في الموقف الروسي القائم على دعم نظام الأسد والتعاون مع إيران، ثم تحقيق مستوى من الاستقرار في الوضع السوري، يمهد لبدء عملية انتقال سياسي في سوريا، لا يكون للأسد فيها أي دور مقبل، وقد سربت مصادر أميركية، أن وزير الخارجية الأميركي تيلرسون بحث مع الرئيس الروسي بوتين ووزير خارجيته لافروف تلك النقاط في محادثاته الأخيرة معهما في موسكو، التي أعلن في نهايتها، أن المجتمع الدولي لن يقبل بوجود الأسد، أو أي من عائلته في حكم سوريا. 

وتبدو جولة وزير الدفاع الأميركي ماتيس في بعض دول المنطقة، جزءًا مكملاً لما طرحه تيلرسون في موسكو، وبخاصة لجهة بحث الجوانب العملية في محتويات الخطة الأميركية، ودور الأطراف المختلفة فيها وفق مراحلها المتعددة، وبخاصة في موضوع الحرب على «داعش»، التي كشفت خطة أميركية أعدها مستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، تقوم فيها القوات الأميركية بدور مركزي عبر زيادة عدد الجنود الأميركيين، ومشاركة قوات عربية، وتخفيف الاعتماد على «قوات سوريا الديمقراطية»، التي يشكل «الاتحاد الديمقراطي الكردي» (pyd) عمادها؛ الأمر الذي يعزز فرص كسب الحرب على «داعش»، وتخفيف المعارضة العربية والتركية لحجم ودور القوات التي يقودها (pyd) في الحرب. 

خلاصة القول، أن مسارات واشنطن في سوريا، تؤكد مساعي الولايات المتحدة لسياسة ودور جديدين في القضية السورية، وترسم ملامح للعلاقات الداخلية والإقليمية والدولية للأطراف المتدخلة فيها؛ مما يعني قيامها بلعب دور مركزي في المرحلة المقبلة بالتفاهم مع الأطراف جميعًا، وهو مسعى أميركي، تعمل واشنطن للوصول إليه ما أمكن، لكن تشدد بعضها، لن يمنع واشنطن من خيارات الذهاب بالمتوافقين لمعالجة الوضع السوري، وصولاً إلى إجبار البقية على الانخراط بالحل الممكن، وهو مضمون قول أميركي تكرر في الفترة الأخيرة، وخلاصته أن لدى واشنطن خيارات في وجه معارضة البعض إشارة إلى معارضة الروس لحل مقبول في سوريا، واستخدامهم حق النقضفي مجلس الأمن الدولي، ولا شك أن الفترة القريبة المقبلة، ستكشف جدية واشنطن في طروحاتها الجديدة.