جاسر الحربش

 كل واحد يستهدف أتباع الآخر. الموضوع سباق على الأحقية في الأتباع، يقولون الآخرة ويبدأون بالدنيا، لكن الهدف واحد. الداعية يجتهد لهداية من حوله إلى ما يعتقده الطريق الصحيح إلى الله، والمبشر كذلك. كلاهما يدعوان إلى الله وكل حسب معتقده، والعداء المستحكم بينهما تحوّل إلى المحرض الأهم على التباغض بين الأديان وليس النص الديني عند كل واحد.

الأصل في الدعوة أو التبشير أنها تكون في بلاد لم تصل إليها عقيدة الداعية أو عقيدة المبشر، هذا أولاً، أي في المجتمعات الوثنية كما يسميانها، ثم تحولت في الاتجاه المضاد إلى البلاد التي تنتشر فيها عقيدة المنافس. مع استطالة الزمن وتقلباته نشأت وتكاثرت التفرعات الدعوية داخل عقيدة الداعية الأصلية، وكذلك التفرعات التبشيرية داخل عقيدة المبشر الأصلية. من العمل الدعوي تفرعت الدعوات المذهبية ثم الفقهية المذهبية وطرق الطرق التي لا حصر لها، ومن العمل التبشيري تفرعت المذاهب والكنائس والأديرة التي لكل واحد منها كرادلته وقديسوه ورهبانه وطقوسه.

إلى أين أوصلت هذه التفرعات عباد الله الذين كانت الأهداف هدايتهم إلى طريق الله، إلى الوفاق أم إلى الشقاق؟. أصبح العدو الأول لكل داعية هو المبشر، ولكل مبشر الداعية، هناك أولاً حيث لا تنتشر عقيدة الداعية ولا عقيدة المبشر، لكن الأمور لن تقف عند هذه الحدود. بعد ذلك نبتت وأزهرت عداوات الدعاة بين مذاهبهم نفسها المتفرعة من نفس الشجرة، وعداوات المبشرين المتفرعين من الكنسية العقدية الأولى. مع تكاثر الدعاة والمبشرين تكاثرت الخلافات والاختلافات وقامت عليها مؤسسات مالية فاحشة الثراء وسلطات دنيوية مهيبة وحروب أوصلت البشر بأسرع الطرق إلى الجحيم الدنيوي.

إذاًً ما الفرق رغم الاشتراك بالهدف؟. ابحث عن الفرق في كون العداوات التبشيرية داخل تفرعاتها التراثية خفتت واختفت تقريباً، باستثناء بقع صغيرة في أيرلندا ويوغوسلافيا ولبنان، أما العداوات الدعوية فاكتسبت بسياسات العصور الحديثة زخماًً أهلك الحرث والنسل. الفرق النوعي إذاً يكمن الآن في عقلانية الوصول إلى تحكيم المشيئة الربانية التي ركبها الله في خلقه لاختيار الطريق الموصل إليه دون إكراه ولا داعية أو مبشر.