خليل علي حيدر
أزمة المسيحيين الأقباط في مصر وقتلهم على يد تنظيمات الإرهاب و«داعش» في سيناء، بعض ثمار مساعي التفرقة الدينية التي حقنت بها جماعة «الإخوان المسلمين» ومن تأثر بفكرهم، المجتمع المصري منذ عام 1928 وعلى امتداد قرابة قرن عندما بنوا حزبهم السياسي على أساس ديني، وتمت تعبئة الآلاف ثم مئات الآلاف والملايين من المصريين بمشاعر الاستعلاء والتمييز الديني، على حساب الوحدة الوطنية، وضد الدولة المدنية والمجتمع الديمقراطي التعددي الحديث.
ولم يقف هذا «التلويث الطائفي» والتعصب الديني عند حدود مصر وحدها، بل انتقل إلى العالم العربي وربما الإسلامي، مع ظهور فروع «الإخوان»، وانتشار فكرهم وكتبهم، وحتى في الكويت، حيث تأسست الجماعة ما بين 1948 - 1952 حارب «الإخوان» بناء الكنائس والمكتبات المسيحية، وتوظيف المسيحيين ما وسعهم ذلك ولايزالون مستعينين ببقية الإسلاميين، ولم يهنأ لهم بال حتى توجوا هذه المواقف العدائية بإدخال تعديل على قانون الجنسية الكويتي، يمنع تجنيس المسيحيين، كما وصرح محامي الجماعات الإسلامية لصحيفة «الوطن» يوم 25-12-2009 متحمساً «إن الواجب على جميع أعضاء مجلس الأمة المطالبة اليوم برفع دعاوى والتحرك لإزالة الكنائس التي انتشرت في الكويت وهي ترفع الصليب».
تفجير الكنائس وجرائم «داعش» الأخرى ضد المسيحيين في مصر، اليوم في سيناء وقبل ذلك في العراق، وذبح الرهبان والعمال المصريين الأقباط في ليبيا وشمال أفريقيا، بل وتفجير الكنائس في باكستان، حيث أحد أقوى وأهم منابع فكر الإخوان المسلمين، لفت انتباه الباحثين إلى تراث «الإخوان» المعادي للمسيحيين المعاصرين في كل العالم العربي والإسلامي.
لقد طالب مرشد الإخوان «مصطفى مشهور» عام 1997 بإبعاد المسيحيين عن الجيش، مما أحدث زوبعة في مصر، وقال بالحرف الواحد: «لابد أن يكون أفراد الجيش في الدولة الإسلامية من أصحاب العقيدة ذاتها وليس من أصحاب عقيدة أخرى حتى يتمكنوا من مواجهة أي عدو يحاول الاعتداء على الدولة الإسلامية، وفي ظل وجود عناصر مسيحية في جيشها يمكن أن يجعل هذه العناصر تمالئ العدو وتسهل له»، وبعد اعتراض محامي الأقباط ممدوح نخلة وتصريحات د. حسن هويدي المسؤول البارز في التنظيم الدولي للإخوان، هدأ الموقف قليلاً، عندما أكد د. هويدي موقف الإخوان من الأقباط «باعتبارهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ولا يجوز أن تفرض عليهم جزية ويحق لهم تولي الوظائف العامة في الدولة ومنها الوظائف العسكرية». [الحياة 28-4-1997. [
يقول الكاتب محمد صلاح في «الحياة» 27-2-2017 مفسراً ما يجري لأقباط سيناء إن مصر ليست بلداً طائفياً، ولم تشهد على مدى تاريخها صراعات طائفية، لذلك فشلت مخططات تقسيمها، ويضيف: «داعش الذي يتهاوى في سيناء كما ينهار في دول أخرى، اعتقَدَ أن التركيز على قتل الأقباط سيربك الحكم وسيقلب الأقباط على «السيسي» ويفتح المجال واسعاً أمام الإخوان وآلتهم الإعلامية الضخمة وناشطي الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي لاتهام الحكم بالتقصير»، ولكن المسيحيين والمسلمين في مصر يدركون خطورة ما يُرسم لهم.
ويضيف الكاتب: «انتبه الناس إلى أنها اللعبة نفسها التي لجأ إليها «الإخوان» بعدما ثار الشعب على حكمهم وعزل محمد مرسي عن المقعد الرئاسي، فلجؤوا إلى الصيد في مياه الفتنة، واعتدوا على أكثر من 80 كنيسة في محافظات مصرية مختلفة، خصوصاً في الصعيد، ونشط أعضاء الجماعة في محاصرة قرى ذات غالبية سكانية للأقباط في الصعيد بحثاً عن تدخل أجنبي فشلوا في تحقيقه لإنقاذ الجماعة، فسعى التنظيم إلى تحقيقه بدعوى إنقاذ الأقباط، لا تستغرب أن تجد الإخوان يصرخون دفاعاً عن أقباط سيناء، وأن تشاهد على قنواتهم تقارير تبكي ترحيل عائلات قبطية من العريش إلى الإسماعيلية، وأن تطالع ما أفرزته لجانهم الإلكترونية حول مأساة التهجير التي يعانيها الأقباط في سيناء، فالجماعة تعتقد أنك نسيت مشاهد جموع الإخوان وهي تحرق الكنائس، وتغريدات الشماتة عقب تفجير البطرسية».
إن استغلال التنوع الديني والمذهبي لعبة خطرة كثيراً ما تنخرط فيها الجماعات الإسلامية في دول كثيرة، وخلال أسبوع واحد، يقول يوسف الديني: «شهدت مدينة العريش حالات قتل وذبح واغتيال لعدد من الشخصيات القبطية أطباء وصيادلة وتجاراً وحتى مدرسين وباعة يقتلون على الهوية الدينية لا لشيء إلا لتحويل المنطقة إلى منطقة توتر وأزمة، تستغلها التنظيمات الإرهابية المحلية لصالح تنظيم داعش».
ولكن أهداف «الإخوان» أوسع وأقدم وأدوم مهما حذرهم الخصوم والأصدقاء من خطورة سياسة قتل القتيل واستقبال المعزين فيه!
التعليقات