سمير عطا الله
1917 ليست مئوية الثورة البولشفية وحدها. في السينما، هي مئوية أشهر شخصية في تاريخ الشاشة، ملونة أو سوداء وبيضاء. ذلك العام بدأت شهرة شارلي شابلن، المهاجر البريطاني في الأفلام الصامتة القصيرة، التي تحكي قصة مشرد قليل القامة، منتفخ السروال، ضخم الحذاء، واسع القبعة، صغير الشاربين، يدور تائهاً في الشوارع، مضحك الخطى، مضحك المقالب، مبكياً حين يدمع، خفيف التنقل، سريع الاختباء.
لم تكن السينما في حاجة إلى أن تنطق في وجوده. ولم يكن في حاجة إلى حوار، أو إلى بطلة تقف أمامه، أو إلى مخرج، أو إلى عدد كبير من الممثلين الثانويين لإغناء المشهد. كان يكفي أن يقف أمام واجهة حلوى متأملاً، يحلم بما لا يجب أن يحلم به، أو أن يفر هاربا من عصا شرطي ضخم الجثة، ضخم العصا، عسير الحركة. كان يخلط شابلن في شيء من السحر، الضحك والبكاء، ويخلط الدمع، فلا تعود تعرف إن كان دمعاً فرحاً أم آسيا.
وسرعان ما أصبح في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي، أشهر الوجوه المألوفة في البلدان. ولم تعامله الحكومات كفنان، بل كشخصية عالمية تعمل في الفن. وعندما منحته الحكومة الفرنسية وشاح جوقة الشرف، حضر الحفل جميع الوزراء. وفي لندن كرمه الملك والملكة، وألقى ونستون تشرشل كلمة في تقديره، وسعى كبار الكتاب إلى مقابلته. لمرة واحدة في حياته ارتدى جورج برنارد شو «بذلة السهرة الرسمية» من أجل أن يشارك في حفل تكريم له.
وكانت الجماهير أكثر تقديراً وحماساً. فكان الألوف يخرجون إلى استقباله عندما يتوقف قطاره في مدينة ما، والألوف يحضرون افتتاح فيلم جديد له.
كانت هوليوود قبل سنوات قليلة، بلدة ليس فيها مركز بريد. وقد بدأ نجاحه المذهل مع بداياتها. وخلال عام، ارتفع أجره الأسبوعي من ألف دولار إلى عشرة آلاف. ومن ثم أصبح «أغلى مُلكية» في المدينة. لكن هذا الفقير السابق، الذي عمل طفلاً في مصنع للمخللات (الطرشي)، رافقه ميل إلى الكآبة طوال عمره. وكان يعامل الناس بقسوة وبالقليل من اللياقة، وخصوصاً، نوادل المطاعم. وكان متعجرفاً ومزاجياً. وكان ميالاً إلى العزلة ويتهرب من اللقاءات الاجتماعية على أنها إضاعة للوقت. وكان في هوليوود مقهى يملكه بهلوان متقاعد، يذهب إليه وحيداً بعد ظهر كل يوم، ليتأمل ويعمل.
وظل يركب التاكسي إلى أن قال له شقيقه، «سيد»، متى ستدرك أنك أصبحت ثرياً، وعليك شراء سيارة؟ ورافقه إلى البنك لمعرفة ما في حسابه، فوجدا فيه 900 ألف دولار. وقبل أن يشتري سيارة فخمة قائلاً للبائع «أعطني الأفضل لديك».
في هذا الوقت كان المهاتما غاندي يقود حملة استقلال الهند. فذهب إليه من يقول: «لا بد أن تقابل المستر شابلن وتطلب دعمه». فقال: «حسناً. لكن من هو المستر شابلن».. .
التعليقات