غالب أشمر
في ظل تآكل المهل المتبقية مع دخول المجلس النيابي اللبناني دائرة التسع الأواخر، موعد انتهاء ولايته، تنشدّ أنظار اللبنانيين في اتجاه حسم مسار قانون الانتخاب، حكومياً وبرلمانياً في الاسبوع الطالع. وتقول مصادر نيابية لـ «الحياة»: «في حال نجح المفاوضون في الساعات المقبلة في فكفكة العقد، فإن القانون سينجز. ولعل الاجتماعات المتتالية التي عقدت في الساعات الماضية ونتجت منها بعض أجواء التفاؤل بتذليل عقد نشأت الأسبوع الفائت، هي التي دفعت رئيس البرلمان نبيه بري أمس، إلى تأجيل الجلسة النيابية المخصصة لإقرار القانون من بعد غد الإثنين إلى الجمعة في 16 الجاري.
وتبع تأجيل الجلسة النيابية توجيه رئيس الحكومة سعد الحريري دعوة لمجلس الوزراء إلى الانعقاد يوم الأربعاء في 14 الجاري، أول بند على جدول أعمالها المؤلف من 47 بنداً قانون الانتخاب. وهذا يفترض أن تتوصل لقاءات ومداولات الأيام الفاصلة مع الأربعاء، بين الفرقاء، إلى حلحلة العقد من أمام إنجاز القانون لتقره الحكومة وتحيله قبل 48 ساعة من انعقاد الهيئة العامة للبرلمان لمناقشته وإقراره، بمادة وحيدة كما سبق أن أكد بري.
وقالت أوساط منغمسة في المداولات الجارية أن على رغم التأخير الذي حصل، لم يتغير شيء جوهري في ما سبق أن اتفق عليه منذ 10 أيام، مشيرة إلى أن نقطة وحيدة ما زالت بحاجة إلى الحسم في مشروع نائب رئيس حزب «القوات اللبنانية» النائب جورج عدوان باعتماد النسبية في 15 دائرة، هي المتعلقة بالصوت التأهيلي في القضاء كما يطالب «التيار الوطني الحر»، أم في الدائرة كما يقترح بري و «حزب الله» والحريري و«القوات»، ويؤيدهم الحزب «التقدمي الاشتراكي» و «المردة» و «الكتائب». وأوضحت الأوساط نفسها لـ «الحياة» أنه إذا لم تحسم هذه النقطة قبل الأربعاء، فإنها ستترك لجلسة مجلس الوزراء. وفي وقت يتكتم عدوان على ما يبقى من نقاط عالقة، فإنه اكتفى بالتأكيد لـ «الحياة» أمس أن القانون «سلك طريقه إلى الولادة». لكن مصادر نيابية ظلت تسأل: هل يمكن أن تتكرر عملية إبقاء الملف الانتخابي، وفق رغبة بعض الأطراف في دوامة طروحات سياسية وضعت تحت عناوين ومسميات مختلفة، ويصار كل مرة إلى تعديلها للعودة إلى الصيغة الطائفية المرفوضة من قوى وأطراف سياسية وازنة ومتنوعة، وفي مقدمها بري».
وتشير المصادر ذاتها إلى أن «العقد التي ظهرت الاسبوع الماضي غُلّفت بعناوين ضمانات للاصطدام بالفراغ، للعودة إلى قانون الستين»، وهي اختراعات وابتكارات ذات طابع طائفي ومذهبي لا تتصل بجوهر القانون، ولا تكمن في الجدل حول الصوت التفضيلي واحتسابه وفق القضاء أو الدائرة، وإنما في الإصرار على تعديل الدستور، بوضع نص يرسخ المناصفة في مجلسي النواب والشيوخ، إضافة إلى نقل المقاعد، فيما المناصفة محفوظة ومصونة منذ الاستقلال».
النائب في كتلة «المستقبل» محمد قباني يرى في هذه الطروحات «مزايدات طائفية يعرف أصحابها أن معظمها غير قابل للتحقيق، وهي طعنة لاتفاق الطائف، لأن الدورة الاستثنائية فتحت لقانون الانتخاب وليست لتعديل الدستور. والكلام عن أن المرشح يجب أن ينال 40 في المئة من طائفته كشرط ليتم احتساب أصواته في الدائرة التي يترشح فيها هو مطلب غريب عجيب». ويضيف قباني لـ «الحياة» سائلاً: «في بيروت الثانية هناك 6 مقاعد للسنّة، فكيف نستطيع أن نؤمن لـ 6 مرشحين نسباً توازي 40 في المئة من السنّة؟ هذه الاقتراحات ونقل المقاعد هي للإثارة الطائفية التي تهدف إلى إعطاء أصحابها شعبية لدى الطوائف المسيحية».
ولا يستبعد قباني إمكان وجود شعور بأن هناك من وافق على النسبية ثم ندم والآن يحاول العرقلة «لأنه عندما تصل إلى التفاصيل تبدأ مواجهة الصعوبات، ويشعر البعض بالتالي بأنه سيخسر بعض المقاعد... فعندما وصلنا إلى الحقيقة بدأ البعض يقتنع بأن النسبية التي تعني التمثيل الدقيق للشعب ستكون على حساب انفراده بالتمثيل في دوائر عدة».
وإذ يلفت قباني إلى أن «النسبية ستفرض تحالفات جديدة»، يقول: «لم يعد ممكناً الآن الرجوع عن النسبية، لأن هذا الأمر أصبح حقيقة ومقراً ومتبنى من العهد بشخص رئيس الجمهورية، ولا يستطيع أحد أن يعود عنه، لكن يستطيع أن يحاول تفريغه وعرقلته، وهذا ما يحاول اليوم الوزير جبران باسيل أن يقوم به عبر هذه الطروحات غير المنطقية. لكن في موضوع نقل المقاعد، فإن هذا الأمر أصبح ممكناً فقط بالنسبة إلى مقعد واحد في بيروت، سيكون على الأرجح المقعد الإنجيلي».
ولأن الوقت المتبقي من ولاية المجلس بدأ يدهم، يشير قباني إلى «وجوب أن ينتهي التوافق بتدخل أصحاب القرار، وألا يتركوا الأمر لمزايدات فرد أو حزب واحد، وهناك بعض التمايز في موقف الرئيس عن موقف جبران والتيار. وأيضاً موقف «حزب الله» وأمينه العام، وهناك القوات التي هي أكثر عقلانية من التيار الوطني الحر، كما أن هناك ضغوطاً على الرئيس سعد الحريري لإنجاز قانون جديد للانتخابات وكل هذه الأمور قد تؤدى إلى اتفاق قبل الإثنين، وتأجيل الجلسة النيابية ليوم أو يومين، لأننا نكون قد دخلنا في مرحلة الانتحار السياسي». ويؤكد «أن المفاوضات تتم على الساخن خصوصاً مع عودة الرئيس الحريري من المملكة ومواكبته الحثيثة لها، إضافة إلى الحراك الذي يقوم به الرئيس بري»، مشبهاً إياه «بحارس مرمى للبنان يرد الكرات المشبوهة والطائفية عن مرمى الوطن».
وإذ يرى قباني أن محاولات العرقلة للعودة إلى «الستين» فيها «إساءة كبيرة لرئيس الجمهورية أولاً، الذي أعلن أن هذا القانون قد مات»، يعزو تغير موقف «تيار المستقبل» الذي كان يرفض في السابق النسبية الكاملة في ظل السلاح، إلى أن «في المواقف السياسية هناك دائماً مراجعة وقناعات تغير رأي الأحزاب أو الأشخاص أو القيادات، وهذا ما حدث. والآن نحن مع النسبية، ولكننا نعتبر أن هناك عيوباً حصلت وأن نقل مقعد مسيحي ولو واحداً من بيروت الثانية إلى الأولى، يعني العودة إلى شرقية وغربية».
التعليقات