كتب علي العميم في "المجلة العربية":

(فسح سهواً: مقالات في الشأن المحلي السعودي)، هذا الكتاب الذي جمع الدكتور سعد الصويان فيه بعض أعماله المنشورة في الصحف والمجلات؛ جددت في طلبه. ومع أني صرفت عنايتي في هذا الأمر إلا أني لم أتمكن من الحصول عليه إلا في وقت متأخر جداً من تاريخ صدوره.


كان ثمة كتاب آخر له، صدر بعد ما يزيد عن السنة بشهر، اسمه (ملحمة التطور البشري)، تفضل الدكتور سعد بإيصاء الناشر (دار مدارك) أن يبعث بنسخة منه إليّ. 
حين شرعت في قراءة هذا الكتاب كنت عقدت العزم على أن أقرأه قراءة عارض له، لكن بعد أن قرأت عدداً من فصوله استوعرت القيام بهذا العمل. 
علمي بنبأ صدور الكتاب الأول، جاء بعد قراءتي للكتاب الثاني قراءة استعراضية -أو فلنقل استكشافية- لجس نبضه إن كان سيسلس قياده لي في العرض أم سيتأبَى علي بشموس، وبعد أن رأيت شدة تأبيه وصلابة تمنعه كففت عن مراودته بالعرض!
كنت أحدث صحافياً مثقفاً عن هذا الكتاب، بأنه كتاب صعب المراس، وأنه قد لواني عما انتدبت نفسي له، وشاركني هذه الشجون، وذكر أنه أُعضلت عليه قراءته مع أنه قرأه بغرض الاطلاع والمعرفة وليس بنية الكتابة عنه، كما كنت سأفعل. ثم سألني عن الكتاب الأول: هل قرأته؟ فأجبته: لا علم لي به. قال: الكتاب صدر عن الدار نفسها، فاشتره منها في معرض الرياض الدولي للكتاب القادم.
وحين أقيم هذا المعرض، ذهبت إلى (دار مدارك) ثلاث مرات، وكان الزحام عليها شديداً، ووقت زيارتي للمعرض كان في الوقت الضيق الحرج لإقامة الصلاتين: صلاة المغرب وصلاة العشاء. لهذا فإني في هذه المرات الثلاث التي ذهبت فيها إلى تلك الدار كنت أعود بخفي حنين.
تمنيت على ذلك الصحافي المثقف، وهو صديق، أن يحضر لي نسخة منه، وكان يقيم ما بين دبي والرياض، بسبب طبيعة عمله، فوعدني بتوفير نسخة لي من هناك، لكنه في كل مرة كان يعود فيها إلى الرياض، ينسى إحضارها.
وقرر -أخيراً- أن يبعث النسخة مع صديق مشترك، يزور دبي بين الفينة والأخرى. وهذا الصديق ألتقيه كثيراً، وبعثها معه قبل سنة، لكن كنت كلما ألتقيه أنسى عندما نتفق على موعد اللقاء تذكيره بإحضارها معه، وهو ينسى أيضاً أن يحضرها معه.
في إحدى المرات ذكّرته بإحضارها، فأحضرها معه. ودسستها على عجل -حيث كان لدي ضيوف آخرون- بين كتب في رف من رفوف مكتبتي لأقرأه فيما بعد. ولأني دسسته على عجل، فإني قد نسيت في أي رف وضعته. ومكتبتي تفتقد إلى أي نوع من التصنيف، فالكتب فيها كما البشر في سوق حراج مكتظ: الكتاب الضخم مع الكتاب ذي القامة المتوسطة ومع الكتاب القزم أو الضئيل الحجم. والكتاب المجلد مع الكتاب ذي الغلاف الورقي. وكل رف فيها يجمع كتباً موضوعاتها متباعدة، بعد شرق العالم عن غربه، وشماله عن جنوبه.
وإذا كانت سوء الصدف أخّرت اقتنائي للكتاب، فإنه من محاسنها أني عثرت عليه صدفة في مكتبتي، فعاجلته بالقراءة. 
احتل القسم الأكبر من الكتاب مقالات كان الدكتور سعد والى نشرها في جريدة (الاقتصادية)، وكنت قد سمعت من بعض الأصدقاء أنه يكتب في هذه الجريدة أسبوعياً ثم أوقف. ولم أكن وقت كتابته فيها قد قرأت أي مقال مما نشره في هذه الجريدة. وكنت أحسب أنه كتب فيها لشهر أو شهرين. وفوجئت حين قرأت الكتاب، أنه كتب فيها سبعة وثمانين مقالاً. أي ما يستغرق سنة ونصف السنة من الزمن.
ولعل ما يكشف عن أنه لم يسبق لي أن قرأت مقالاته تلك هو قولي عنه ضمن عرضي لكتاب نعيمان عثمان (القبلية: عجز الأكاديمي ومراوغة المثقف)، المنشور في كتابي (شيء من النقد... شيء من التاريخ): «لا تخلو كتاباته الصحافية في زمن مضى في الأعمدة الصحافية الخفيفة، من ملح مستطابة ودعابة أنيقة». وكنت أقصد بهذا القول الذي ورد ضمن تعريف به الإشارة إلى مقالاته في مجلة (اليمامة) منذ وقت بعيد. وهي مقالات قليلة اختار جلها وأعاد نشرها في كتابه (فسح سهواً).
الجديد في مقالاته الصحافية المنشورة في جريدة (الاقتصادية)، أنه تصدى لمعالجة قضايا ثقافية وفكرية راهنة وتاريخية، لم يسبق له أن تطرق لها، لا في مقالاته الصحافية، ولا في أبحاثه الأكاديمية. والحق أن كل مقالاته في تلك الجريدة كانت إسهاماً صحافياً ثقافياً معتبراً يستحق عليه الثناء والشكر.
إنك حين تقرأ معالجته لتلك القضايا التي هي ليست من ضمن تخصصه العلمي الدقيق، ولا من ضمن ممارسته البحثية الطويلة؛ تدرك أنك أمام أكاديمي مقتدر ومثقف قدير وكاتب صحافي بارع. وأنه يتمتع بخصلة غير منتشرة في وسطنا الإعلامي والثقافي والأكاديمي؛ وهي أنه رجل غير متقحِّم، إذ كان ممسكاً بتلابيب تلك القضايا ومسيطراً عليها. فلا تجد في تناوله لها فجوات وثغرات ونقصاً في الاطلاع. 
هذا التمكن يجعلك تستريب فيما قاله في استعراضه لتجربته مع الفشل في خاتمة الكتاب. فلقد قال: إن التجربة الأمريكية قلبت حياته وطريقة تفكيره رأساً على عقب... وأنه أدرك هناك أنه كان أمياً لم يتعلم شيئاً يذكر من دراسته الابتدائية والثانوية؛ فتقول في نفسك: إن الرجل يمزح بل يبالغ في مزحه. لا بد أنه كان طالباً مجداً، وأنه فوق هذا كان يعاقر المعرفة من أيام مراهقته في عنيزة.
إن (فسح سهواً) كتاب جدير بالعرض والتعليق والمدارسة والمناقشة والمطارحة؛ لكننا -يا للأسف- لم نفعل ذلك لا معه ولا مع أقرانه من كتب تتصف بالجودة والإثراء على قلتها!
حظي كتاب الدكتور سعد الثاني: (ملحمة التطور البشري) بحفاوة عريضة وانتشار واسع حتى عند القراء العاديين الذين يتناسب ومداركهم الكتاب الأول: (فسح سهواً).
من دون شك، فإن (ملحمة التطور البشري) يستحق الحفاوة التي لقيها، ويستحق فوزه بـ(جائزة الشيخ زايد للكتاب) في دورتها الثامنة، فهو عمل علمي ضخم متعدد الجوانب، سد في بابه خانة فارغة في المكتبة العربية الجامعية أو الأكاديمية، لكنه كتاب يناسب الأكاديميين في مجال الدراسات الاجتماعية والإنسانية، ويصلح مرجعاً أكاديمياً لطلاب الدراسات العليا في هذا الجال، وبخاصة طلاب الدراسات الأنثروبولوجية والمختصون فيها.
ولأن الكتاب هو بهذه الكيفية، فإني أنصح القراء غير المتخصصين في موضوعه، قبل أن يقرأوه، أن يمهدوا لقراءته بقراءة كتاب تعددت طبعاته في عقود خلت، منذ أن صدرت أول طبعة منه سنة 1951. هذا الكتاب هو (قصة الإنسان)الذي ألَّفه المفكر والأديب والسياسي الدكتور جورج حنا (كان تخصصه ومجال عمله: طبيب نساء وولادة)؛ ذلك لأنه صاغ كتابه على أنه (كتاب صحافي) يكون فهمه في متناول القراء من ذوي الثقافة العامة.
مما أسعدني أني رأيت الأكاديمية الكويتية الدكتورة سهام الفريح والناقد السوري صبحي حديدي قاما بما استصعبت القيام به في غضون شهر واحد، فعرضا للكتاب. ولكني لاحظت أن عرضهما له كان عرضاً بسيطاً، وأعني به العرض الذي يعتمد على استعراض محتويات الكتاب، وعلى مطالعة مقدمته للاستفادة مما جاء فيها من شرح لخطة عمل المؤلف ووصفه لطبيعة كتابه. وفي الواقع أنهما كانا معذورين، لأن الكتاب توليفة أشبه ما تكون بالإنسكلوبيديا فيتعذّر - بالتالي- عرضه عرضاً مرضياً أو وافياً.