بلال حسن التل
في إطار جهودها لبناء رأي عام، رافض للعادات وللسلوكيات الاجتماعية المختلة والغريبة عن مجتمعنا الأردني، تواصل جماعة عمان لحوارات المستقبل جولاتها وحواراتها في مختلف أنحاء المملكة، وتعاونها مع مختلف الفعاليات الاجتماعية: عشائر وجمعيات وأندية، وذلك في إطار تطبيق البرنامج التنفيذي لوثيقة التماسك الاجتماعي التي سبق وأن أصدرتها الجماعة، ورصدت فيها مجموعة من الاختلالات التي طرأت على عاداتنا الاجتماعية والسلوك المرتبط بهذه العادات، وهو السلوك الذي أصابه الكثير من العوار، الذي أورث أزمات اقتصادية واجتماعية، صار لا بد من التصدي لها بعمل جماعي منظم، وهو ما تسعى إليه جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي أخذت على عاتقها مهمة قرع جرس الخطر من هذه الاختلالات، بعد أن صار الجميع يشكو منها، ويئن من وطأتها، وينتظر من يعلق الجرس لبدء العمل للخلاص منها وها هي جماعة عمان لحوارات المستقبل تفعل ذلك.
في إطار الجولات والحوارات التي تجريها الجماعة لبناء الرأي العام الرافض للاختلالات في السلوك الاجتماعي، كان اللقاء الذي استضافته جمعية صلاح الدين الأيوبي الكردية، حيث أخذ الحوار حول التماسك الاجتماعي وأهميته وضرورته في رحاب صلاح الدين ومع أحفاده ميزة وطعما خاصا أعطى للقضية بعدها، ومضمونها الحقيقيين، فالقراءة الواعية لسيرة صلاح الدين الأيوبي، تقود إلى حقيقة لابد من أن نعيد إحياءها في واقعنا المعاصر، إن أردنا أن نصل إلى ما وصل إليه صلاح الدين الأيوبي من حصاد ما زلنا نفاخر به. وهنا لابد من التأكيد على مفهوم الحصاد، لأن ما وصل إليه صلاح الدين هو حصاد لبذار وتتويجاً لجهد طيب بذله وبذره نور الدين وعماد الدين زنكي المؤسسين لرحلة انتصارات الأمة على الفرنجة، ولإنهاء مرحلة هزائمها أمام الغزاة.
لقد أكد لنا الحوار في ظل صلاح الدين الأيوبي، ومع أحفاده، أن الحقيقة التي لابد من أن نُحييها في واقعنا، استفادة من تجربة الزنكيين، وصلاح الدين، هي أن بداية التحول من مرحلة التخلف والهزيمة، إلى مرحلة التقدم والنهوض والانتصار، تبدأ من إعادة بناء التماسك الاجتماعي ومن ثم تحديث الخطاب الاجتماعي، فهذا هو ما مهد لانتصارات صلاح الدين التي توجها بتحرير القدس، فقد سبق الانتصار على الفرنجة سنوات طويلة من العمل الثقافي والفكري لإعادة بناء المجتمع وتماسكه، وإعادة صياغة علاقاته وتقاليده وعاداته، وتغيرها من علاقات سلبية مظهرية زائفة، إلى علاقات حقيقية وإيجابية ومنتجة، ومن عادات وسلوك مجتمع التخلف والهزيمة، إلى عادات وسلوك مجتمع التقدم والانتصار، فهذا ما فعله آل زنكي، وأكمله من بعدهم الناصر صلاح الدين مستعينين بالعلماء والمفكرين وأهل الرأي، وهو ما نحاول أن نستلهمه من تجربتهم في جماعة عمان لحوارات المستقبل، التي تأسست « كجماعة نقدية»، تضم في صفوفها مجموعة من رجالات وسيدات الوطن، الذين يمتلكون خبرات وتخصصات في شتى مجالات الحياة، وحقول المعرفة، والذين تعاهدوا على التعاون لخدمة وطنهم برؤية واضحة ومتكاملة خاصة في مجال البناء والخطاب الاجتماعيين من خلال فحص الكم الهائل من التقاليد والأعراف والسلوك الذي يحكم حياتنا المعاصرة، على أن يجري هذا الفحص بعين الناقد الواعي، لأن جزءاً مما نعيشه وليد أزمنة غير زماننا، وجزءاً آخر منه نتاج مجتمعات غير مجتمعنا، وظروف غير ظروفنا، وتجارب غير تجاربنا، وإمكانيات اقتصادية غير إمكانياتنا.
ونتيجة لعملية الفحص الواعي، المدعوم بالحوار الهادف، الذي يشكل أداة رئيسية من أدوات عمل الجماعة، مع مختلف شرائح المجتمع الأردني، وهي الشرائح التي يعبرعنها تكوين جماعة عمان لحوارات المستقبل، لأن أعضاءها ينتمون إلى مختلف شرائح المجتمع الأردني على تنوعها، وهو التنوع الذي يشكل مصدر ثراء وقوة، إن أحسنا توظيفه كما تفعل جماعة عمان في حواراتها، مما يجعل هذه الحوارات أقرب ما تكون إلى التعبير عن مجتمعنا، الذي أكد لنا الحوار مع شرائحه المختلفة، أن خطابنا الاجتماعي ومعه سلوكنا الاجتماعي، صارا بحاجة إلى تغير وتطوير، وقبل ذلك إلى تنقيتهما مما علق بهما من أوضار تجارب الآخرين، وهذا ما أكد عليه المشاركون في الحوار حول وثيقة التماسك الاجتماعي الذي جرى في رحاب جمعية صلاح الدين الأيوبي الكردية، وهو الحوار الذي اكتسب زخماً خاصاً لأنه عقد في ظل الأجواء الملتهبة التي تعيشها المدينة التي حررها صلاح الدين، أعني بها القدس، مما يؤكد أهمية قراءة المنهج الذي أدى إلى تحريرالقدس، وهي القراءة التي تؤكد أن إعادة بناء المجتمع وتماسكه هي أول الطريق للخروج مما نحن فيه، اجتماعياً واقتصادياً وثقافياً وسياسياً وعسكرياً.
التعليقات